الحمد لله صانع الأرواح والأجسام ودافع الأوصاب والأسقام، أنزل بكرمه وفضله لكل داء دواء، وجعل برحمته لكل بلية شفاء، والصلاة والسلام على نبينا محمد طب القلوب ودواتها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين، ومن سار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين.
لا زال العالم بأسره، إلى حدود اليوم، يعيش وطأة تفشي الفيروس التاجي المستجد المسبب المرض كوفيد 19 الذي حصد أرواح أكثر من مليون شخص، وترك بصمته على كل مناحي الحياة، فغير العادات اليومية السائدة داخل المجتمعات، وقلل من التواصل المباشر بين بني البشر، وزاد من معدلات استعمال وسائل التكنولوجيا الرقمية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي وامتدت آثاره لتهدد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للأفراد والأسر ، فكان سببا مباشرا في إزاحة اللثام عن الدور الحيوي لفئة من مجتمعنا قلما نعطيها حقها أو نعترف بجهودها إلا نادرا في الأوقات العصيبة، إنهم كما اختار أن يسميهم بعض أرباب الإعلام الجيوش البيضاء إشارة إلى ثيابهم البيضاء اللون، ولكونهم في خط الدفاع الأول أمام هذه الجائحة لاتصالهم المباشر بالمصابين من خلال مختلف الخدمات الصحية التي يسهرون على تقديمها وضمان استمراريتها ليل نهار .
في هذا السياق، يأتي هذا البحث لتقديم أنموذج لمشاركة المرأة التطوانية في مجال الخدمات الاجتماعية من خلال إسهامات مجموعة من الأطر الصحية النسوية بتطوان في مكافحة جائحة كوفيد 19 فكيف واجهت المرأة التطوانية العاملة في مجال الصحة هذه الجائحة؟ وما هي أبرز معالم الحياة المهنية لهذه الأطر في مرحلة ما قبل تفشي ! الجائحة؟ وما هي التحولات التي طرأت على حياتهن المهنية والشخصية منذ تفشيها؟
المبحث الأول: لمحة موجزة عن القطاع الصحي بالمغرب
رغم المجهودات الحثيثة التي يبدلها المغرب في السنوات الأخيرة للرفع من قيمة الاستثمارات في مجال الصحة وتوسيع قاعدة المستفيدين من برامج التغطية الصحية) إلا أن التقارير الصادرة في هذا الشأن تشير إلى أن الفوارق المجالية بين الوسطين الحضري والقروي، وبين الساكنة الميسورة والساكنة الفقيرة والجهات والأقاليم ما تزال قائمة سواء على مستوى المؤشرات ذات الصلة بالحالة الصحية للسكان أو المؤشرات المتعلقة بالاستفادة من الرعاية الطبية والتغطية من لدن مصالح الصحة العمومية.
وفي هذا الإطار، قامت وزارة الصحة بالمملكة المغربية ببلورة مخطط لتطوير القطاع الصحي في أفق سنة 2025 هدفه العام إرساء منظومة صحية منسجمة من أجل عرض صحي منظم ذي جودة وفي متناول الجميع، تحركه برامج صحية فعالة وتدعمه حكامة جيدة»، إعمالا للتوجيهات الملكية السامية التي جاءت في كل من الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الصحة بمراكش في 2013 ، وخطاب العرش لسنة 2015 الذي أعطى الانطلاقة لبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي، وخطاب جلالة الملك في افتتاح الولاية التشريعية العاشرة (أكتوبر 2016) الذي ركز على خدمة المواطن والمقاربة الخدماتية في القطاعات الاجتماعية»، ومواصلة لتنزيل الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030 الذي يسعى لضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار، وللاستراتيجيات الوطنية للرعاية الصحية لسنوات 2012 – 2016 و 2017-2021.
ومنذ ظهور الوباء العالمي المتعلق بالفيروس التاجي (Corona) المستجد عملت الوزارة الوصية على وضع وتنزيل المخطط الوطني للرصد والتصدي لفيروس كورونا المستجد 19 COVID تبعا لتطور الحالة الوبائية بالمغرب، وبتنسيق مع باقي القطاعات الحكومية، ليصل عدد الحالات المؤكدة الإصابة في صفوف المغاربة إلى حدود شهر أكتوبر 2020 أزيد من مائتين وتسعة عشر ألف حالة شفي منها أكثر من مائة وثمانون ألف، فيما توفي 3695 شخص، لتصل نسبة الفتك على مستوى المغرب ل 1،7 ونسبة التعافي ل 827 % . فيما بلغ عدد الإصابات في صفوف الأطر الصحية حسب بلاغ وزير الصحة بالمملكة المغربية ألفا وستمائة حالة، مع تنامي عدد حالات الوفيات المسجلة في صفوفهم ووسط أفراد عائلاتهم بسبب نقل العدوى.
ولتقديم صورة أقرب عن الأدوار والمهام المنوطة بالأطر النسوية في مهن التمريض والتطبيب بالمغرب في ظل استمرار تفشي هذه الجائحة، سنخصص المحاور التالية لتقديم لمحة عن أوضاع المرأة العاملة في المجال الصحي، ومشاركتها الفعالة في البناء الاجتماعي بالاعتماد على نتائج استبيان تم إعداده وتوزيعه في إطار هذا البحث على الأطر النسوية الطبية وشبه الطبية بحاضرة تطوان.
عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي
الكاتب: كتاب جماعي
الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)
بريس تطوان
يتبع…