خير السائحين - بريس تطوان - أخبار تطوان

خير السائحين

خلق الله عز وجل كل شيء ، وخلق الأرض ووضعها للأنام (بشر وجن وحيوانات ) يعيشون فيها إلى أجل محدود ويتحركون على الأرض ويسافرون حسب حاجاتهم ورغباتهم ، وسهل الله سبحانه  لهم ذلك في السماء والبر والبحر بسبب بما وهبهم الله من قدرات ومواهب وبما هداهم إليه ، وجعل الله أرضه واسعة ودعا عباده ليسيرا فيها ابتغاء مرضاته كالحج وابتغاء فضله كالتجارة وصلة الأرحام ، والتفكر في قدراته وإبداعه وجمال خلقه الله  في الجبال الوديان والبحار والأنهار ولأخذ الموعظة من بقايا قوم عاد (التي لم يخلق مثلها في البلاد ) وفرعون ( ذي الأوتاد ) وقوم لوط الفاسقين وغيرهم .

تحولت الأسفار السياحية في أيامنا هذه إلى ظاهرة عالمية وتقدر المنظمة العالمية للسياحة أن عدد اسفار السياحة  الدولية بلغ ب 1300 مليون أما عدد السياح خلال سنة 2023 وأما عدد السياح داخل أوطانهم ( السياحة الداخلية ) فتقدر على الأقل بخمسة أضعاف السياحة الدولية. هذه الأسفار تكون إما لأسباب عائلية أو تجارية أو ثقافية/علمية الخ . ولكن أغلبها تكون لأسباب ترفيهية خلال عطل نهاية الأسبوع وعطل موسمية وخصوصا خلال عطل فصل الصيف حيث تستقطب المحطات الشاطئية العدد الأكبر من السياح .  إن كثيرا من هذه الأسفار الترفيهية تكون لها تداعيات سلبية ثقافية وأخلاقية وبيئية غير أن بعض العلماء عندنا لا يرون حرجا في القيام بمثل هذه الاسفار إذا اجنبت فيها المحرمات ويعنون بها السياحة الحلال . ولا شك أن خير من ساح في حياته هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله للناس كافة ورحمة للعالمين وأسوة للمؤمنين فقد كانت سياحته كلها عبادة لله رب العالمين.

رحلات النبي صلى الله عليه وسلم

قبل البعثة   

جاء في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكة إلى ديار  بني سعد لترضعه السيدة حليمة السعدية وظل هناك فترة الرضاعة ، وجاء في هذه الكتب أنه عندما بلغ ست سنوات من عمره سافر مع أمه إلى المدينة لزيارة أخواله ،  وتوفيت أمه وهي راجعة به  بمكان يدعى الأبواء  بين مكة والمدينة، ولكن الله سبحانه أواه

وأغناه وهداه وجعله رحمة للعالمين .

وسافر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مع عمه أبو طالب في تجارة إلى الشام، وعند مــكان يدعى بصرى من أرض الشام رآه الراهب بحيرى ونــصح أبا طـــالب عمه بالرجوع بابن أخيه سريعا إلى مكة خوفا عليه. وتروي كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى الشام بعد ذلك وخرج  في تجارة  للسيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها ، وكان صلى الله عليه وسلم يزور غار حراء للتعبد والتحنث والبعد عن الأصنام والتفكر في ملكوت السموات والأرض .

 بعد البعثة

بعد فترة من نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ، أمره ربه الجهر بالدعوة إلى دين الله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ، وكان عليه الصلاة والسلام يرحل إلى القبائل ليدعوهم إلى الإسلام ويخبرهم أنه رسول الله إليهم ( وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).

وتروي كتب السيرة أن رســول الله صلى الله عليه وســـلم لما رأى ما يــــــصيب أصــــحابه المؤمنين من البلاء في  مكة وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما فيه قال لهم لو خرجتم إلى أرض الحبشة، وهذا يعني  حسب بعض العلماء أن الهجرة خوفا على الدين شيء مطلوب ، فقد اعتزل سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم قومــــه لما رأى من كفرهم ، وهـــــــاجر معه الرسول لـــوط خوفـــا على دينه هو أيضا ( فَآمَنَ لَهُ لُوط. وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى رَبِّي. إِنَّهُ ُهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

رحلة الإسراء والمعراج

كانت أعظم رحلات النبي صلى الله عليه وسلم رحلة الإسراء والمعراج في ليلة واحدة ، أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هو السميع الْبَصِيرُ ). ورأى صلى الله عليه وسلم خلال هذه الرحلة من آيات الله الكبرى تثبيتا لفؤاده الشريف بعد ما عانى من قومه شدة التعنت والظلم والتكذيب . وجاء في كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام وجيء للنبي بالبراق فحمل عليها بين السماء والأرض، حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فصلى بهم جميعا وأمهم.

بعد ذلك، وكما ورد في كتب السيرة، جيء للنبي بالمعراج فصعد هو وجبريل السماوات الأولى إلى السابعة ، حتى انتهى به المطاف إلى سدرة المنتهى ( وهي شجرةٌ عظيمةٌ وبها من الحُسْنِ ما لا يستطيعُ أحدٌ من خَلْقِ اللهِ أن يَصِفَهُ ) ، فكان صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه قاب قوسين من ربه أو أدنى كما جاء في القرآن (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى .مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى .إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى .ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى .ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى .َولقَــــدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى. عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).خلال هذه الرحلة الكبرى ، شاءت رحمة الله تعالى أن يكرم عبده بهدية أخرى وهي فريضة الصلاة يستطيع العبد مــن خلالها أن يتصــل بــربه خمسة مرات في كل يـــوم يخـــاطب الله عز وجل مباشرة ويسمع كلامه (القرآن ) من إمام المسجد أو يتلوه  إن كان منفردا.

رحلة الهجرة

كــــــانت له صلى الله عليه وسلم رحلة أخرى مهمة هــــي الخروج من مــــكة والهجرة إلى  المدينة بعد سنوات طوال من إيذاء مشركي مكة له ولأصحابه ، فقد أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فخرجوا أفراداً، وتأخر هو حتى أذن الله له بالهجرة (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ  لا تَحْزَنْ  إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ  اللَّهُ سَكِينَتَهُ  عَلَيْهِ  وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).

وحث القرآن المســـلمين بمكة عـــــلى الهجرة ( ومَن يُهَاجِرْ فِـــي سَبِيلِ اللّهِ يَـــجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى الله ، وكان الله غفورا رحيما) وذلك حتى تكون للمسلمين قوة ومناعة بفضل تجمع المهاجرين من مكة والأنصار من أهل المدينة الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم .

كانت أكثر رحلات النبي صلى الله عليه بعد ذلك لنشر دعوة الإسلام بين قبائل العرب والخروج في غزوات لنصر دين الله وكسر شوكة المشركين بعد أن أذن الله تعالى بقتال المشركين المعتدين على المؤمنين وأخذ أموالهم وتعذيبهم والنيل منهم  (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وإن الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

رحلة العمرة

جاء في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه إلى مكة خــلال السنة السادسة بعد

الهجرة لأداء العمرة ليس معهم إلا سلاح السفر ولا يريدون قتال المشركين، ولكن مشركو مكة منعوهم من ذلك وانتهى الأمر بصلح الحديبية ، وكان من شروطه أن يرجع المسلمون إلى المدينة ثم يعودوا إلى مكة معتمرين في العام القادم. وبعد سنة سافر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمرا عمرة القضاء في العام التالي خرج معه أصحابه الذين رافقوه في السنة الماضية.

وجاء في بعض كتب التفاسير أن المسلمين نالهم حزن كبير بعدما منعتهم قريش من أداء مناسك العمرة ومن شروط صلح الحديبية ، وفي طريق العودة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الفتح ، فقال صلى الله عليه وسلم لقد أنزلت عليّ سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم(إنا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا .وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا. هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).

رحلة الفتح

نقضت  قريش شروط صلح الحديبية الذي عقدته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان عليه  إلا أن

يخرج  ، خلال شهر رمضان  سنة ثمان للهجرة ، في أزيد من عشرة آلاف مجاهد من أصحابه وأنصاره وتحقق بذلك وعد الله سبحانه ، ودخل الرسول وأصحابه مكة دون مقاومة تذكر ، وتحقق بذلك وعد الله عز وجل ونصره ودخل الناس : العرب ثم الأمم الأخرى من بعدهم في دين الله أفواجا (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ).

رحلة حجة الوداع

بعد هذا النصر العظيم كانت آخر رحلة للنبي هي إلى بيت الله الحرام لقضاء فريضة الحج، وخرج مع صلى الله عليه وسلم عشرات الآلاف من المسلمين رجالا ونساء، ثم لبى الله مع المسلمين قائلاً  “لبيكَ اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك، والملك، لا شريك لك” وبعد قضاء مناسك الحج وتعليم الناس مناسكهم خطب فيهم يوم عرفة خطبة الوداع.

جاء في هذه الخطبة أيها الناس ! اسمعوا مني ما أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.أيها الناس: إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام… إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد.فلا ترجعن بعدى يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت.أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.ألا هل بلغت ؟.اتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت ؟. قال العلماء ، ولما فرغ صلى عليه وسلم من خطبته هذه نزل عليه قوله سبحانه : ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ  دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ).

وهكذا حظيت البشرية في النهاية بأحسن كــــتب الله، وخير رسول للناس، وأفضل العـــــابدين والسائحين والمجاهدين في سبيل الله والداعين إلى إليه سبحانه  والأســـــوة الحسنة للمسلمين في كل شيء ، فتمت نعمة الله بذلك على عباده المؤمنين (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِے رَسُولِ اِ۬للَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اُ۬للَّهَ وَالْيَوْمَ اَ۬لَاخِرَ وَذَكَرَ اَ۬للَّهَ كَثِيراٗۖ ) . .صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين .


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.