بريس تطوان
تقول الحكاية إن حديقة رياض العشاق في عصرها الذهبي كانت عبارة عن جنان خضراء تتميز بطابع أندلسي أخاذ، بها نافورات وأقواس، وبرك مائية تسبح بمياهها العذبة أسماك حمراء وصفراء وأخرى ملونة، كما كانت هناك بعض أنواع الحيوانات مثل الأيل والطيور الصداحة والقرد البربري من نوع “ماكاك”.
والحقيقة أن حديقة رياض العشاق كانت رغم صغرها تعد من الأعمال الرائعة للجنرال الحالم “أوركاس” خلال فترة الحماية الاسبانية لشمال المغرب على غرار لوحات الفنان العظيم “ماريانو بيرتوشي” الخالدة، والدليل على ذلك أن هذه الحديقة العجيبة لا زالت لحدود كتابة هذه السطور عصية على الترميم، رغم أن السلطات المحلية بمدينة تطوان تبذل جهودا كبيرة وتخصص اعتمادات مالية لبعث هذه التحفة الرائعة من مرقدها، لكن دائما يكون مصير عمليات الترميم والإصلاحات مثل مصير عمل العطار في وجه العجوز الشمطاء.
السؤال المطروح أين يكمن الخلل؟ لماذا حديقة رياض العشاق أو حديقة مولاي رشيد حسب الاسم المقترح والمصادق عليه من طرف أحد المجالس البلدية الغابرة لا زالت مثل المهرة الجامحة، تلفظ جميع الترميمات وتمعن في التذمر وتدمير الذات؟.
الجواب بكل بساطة يكمن في أن صاحب فكرة مشروع “رياض العشاق” هو جنرال حالم كان يؤمن أن للحرب وقتا ولزمن السلم وقتا، وأن الإنسان لكي يحس أنه يحيا الحياة فيجب أن تكون البيئة التي يعيش بها تتوفر على حدائق غناء وشوارع نقية وممشى للمارة ونوادي ثقافية وصالونات أدبية ومسارح ضخمة وقاعات سينيما فخمة وغيرها.
الجنرال الاسباني، “أوركاس” حين أقام الحديقة لم يكن عمله ضربا من الترف بل لأن الساكنة التي كانت تقطن بمدينة الحمامة البيضاء وعموم الجمهور التطواني الراقي، رغم اختلاف أصوله وأعراقه وديانته، كانوا فعلا يقدرون ويحترمون إقامة مرافق مثل حديقة رياض العشاق والدليل على ذلك أنهم كانوا يحافظون على نظافتها وعلى سلامة وحيشها وسمكها.
الجنرال الاسباني أقام حديقة رياض العشاق لشعب تطوان الذي كان مكونا من المورسكيين الذين ينحدرون من أصول أندلسية، ومن أبناء المدينة من اليهود والنصارى والهنود، حيث كانت تعيش
بتطوان جالية هندوسية مكونة من كبار التجار وكان الهنود الذين انقرضوا من تطوان عن بكرة أبيهم، يسكنون بحومة المصلى القديمة المطلة أسوارها مباشرة على رياض العشاق.
الجنرال الإسباني أنشأ حديقة رياض العشاق لأن المجتمع التطواني كان نابضا بالحب والخير والحياة قبل أن يتم تكفينه في لباس البرقع المستورد والأفكار الظلامية الهدامة التي لا تنتج غير العنف والكراهية.
إن باني حديقة رياض العشاق كان جنرالا حالما ذو خيال شاعري عمل بكل جوارحه ووجدانه كي ينشئ بمدينة تطوان العامرة جنة أندلسية صغيرة لكي يصل زمان الوصل بالأندلس، لذا سيبقى التاريخ التطواني يذكر أن رياض العشاق كان أحلى وأبهى رياض في الزمن الجميل لذاكرة مدينة الحمامة البيضاء.