حفريات حول التطوانية زبيدة أفيلال أرملة الشهيد امحمد أحمد بن عبود - بريس تطوان - أخبار تطوان

حفريات حول التطوانية زبيدة أفيلال أرملة الشهيد امحمد أحمد بن عبود

هي سليلة أسرة تطوانية عريقة، وابنه وزير وأرملة شهيد وأم مؤرّخ أكاديمي. ترملت وهي لا تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها عقب استشهاد زوجها، الوطني التطواني، امحمد أحمد بن عبود، في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقله حين عودتها من لاهور إلى كراتشي بالباكستان، عقب مشاركته في المؤتمر الإسلامي الدولي في كراتشي يوم 12 ديسمبر عام 1949.

يتعلق الأمر بالمرحومة زبيدة أفيلال (توفيت في 4 دجنبر سنة 2010)، إحدى فضليات تطوان اللائي أغفلهُنّ التاريخ وقصرت الأبحاث التاريخية في حقهن، بحيث نكاد لا نعثر لها على ذِكْر في ما كتب عن تاريخ تطوان ورجالاتها ونسائها.

ولقد أتيحت لنا فرصة الوقوف على شذرات من حياتها حينما بدأنا نبحث في تاريخ الحركة الوطنية بالشمال عموما وبتاريخ رجالاتها بالمشرق العربي خصوصا، إذ كان اسمها يطفو بعض الأحيان على السطح كلما تعلق الأمر بالنشاط الوطني للشهيد امحمد بن عبود بالقاهرة، وأصبح حضور السيدة زبيدة أفيلال أكثر جلاء بما وفرته لنا «المراسلات السياسية لزوجها من معلومات، وزادت قناعتنا بأهمية الأدوار التي اضطلعت بها منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي إلى حين وفاتها من خلال الشهادات الشفهية لوحيدها الأكاديمي امحمد بن عبود ، وكذا من خلال ذكرياتها حول حياتها في القاهرة خلال نهاية الأربعينيات من القرن الماضي.

ومن خلال حصاد ما توفر لدينا من شهادات ونصوص تاريخية حاولنا إماطة اللثام – لأول مرة فيما نعتقد عن هذه المرأة التطوانية العظيمة من خلال التطرق لوسطها الاجتماعي ولنشاطها إلى جانب زوجها بالقاهرة، ولتربية ابنها والسهر على مسيرته الدراسية، فضلا عن الإلمام ببعض أعمالها الإحسانية، ساعين من وراء تسطير سيرة حياتها الشخصية إلى إبراز الأدوار التي قامت بها بعض النساء التطوانيات في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي طالما أغفلتها البحوث التاريخية والاجتماعية المعاصرة.

تربية في وسط اجتماعي ديني محافظ:

تنحدر السيدة زبيدة أفيلال من أسرة تطوانية وجيهة وعريقة ذات شرف ومروءة وغيرة وطنية. فوالدها هو العلامة سيدي محمد بن التهامي أفيلال، وزير العدلية في حكومة المنطقة الخليفية الخاضعة للحماية الإسبانية آنذاك، والذي اشتهر باستقامته وترفعه وتحفظه في علاقته بالإدارة الإسبانية وإخلاصه لسمو الخليفة مولاي الحسن بن المهدي، بل كان أحد الثلاثة الذين كان لهم تأثير كبير على شخصية الخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي، حسبما تشهد بذلك تقارير مخابرات السلطات الإسبانية نفسها . وقد ظل والدها يشغل ذلك المنصب لمدة عشرين عاما. وقبل أن يزوج ابنته الصغرى زبيدة إلى الشهيد امحمد بن عبود، مدير المكتب العربي بالقاهرة، كان زوج ابنته البكر، عشوشة، بالسيد الحسن بن عبد الوهاب، الذي شغل منصب كاتبه الخاص في وزارة العدلية، وكان عضوا في المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح الوطني، وأحد مناضليه؛ وهو كذلك صاحب كتاب تاريخ القضاء في شمال المغرب على عهد الحماية الإسبانية الذي صدر في جزءين.

ومن البيّن أن الوسط الأسري الذي ترعرعت فيه زبيدة أفيلال كان مساعدا لها على التعلم واكتساب حظ من المعرفة فقد كان والدها خريج جامعة القرويين، وتولى مهنة القضاء كما أشرنا سابقا – وزوجها سياسي خريج من جامعة القاهرة، وبالتالي، كان يتم تداول الكتب والمنشورات والأحاديث السياسية والأدبية باستمرار في المنزل حيث نشأت السيدة زبيدة أفيلال.

وفي زمن لم تكن قد أعطيت الفرصة كاملة للمرأة لكي تتعلم وتتثقف، نجد أن زبيدة أفيلال قد ولجت المدرسة، لكنها بقيت بها حتى السنة الثالثة من الثانوي فقط، وهو مستوى مرتفع في ذلك الزمن. بيد أن مغادرتها لمقاعد الدراسة لم يكن يعني توقفها عن التعليم والتحصيل؛ فقد أصبحت القراءة هواية لها، وبهذا الصدد يقول ولدها، امحمد بن عبود: والدتي كانت امرأة متعلمة ذاتيًا، فإن اللغة الوحيدة التي كانت تعرفها جيدا هي اللغة العربية»، مع إلمام بسيط باللغة الإسبانية، وقد داومت السيدة زبيدة أفيلال لاحقا على قراءة الصحف العربية خلال مقامها بالقاهرة، وتذكر من بين تلك الصحف المصوّر، وأخبار اليوم، والأهرام وروز يوسف ومجلات أخرى». لقد كان زوجها يتكلف بالاشتراك في تلك المجلات والصحف لمعرفته بحبها للمطالعة.

يتذكر ابنها امحمد بن عبود أن والدته أخبرته بأن والده الشهيد كان يغادر المنزل في الصباح الباكر ويعود في المساء؛ وأنها لم تكن تمانع في ذلك طالما اشترى لها الصحف والمجلات العربية التي كانت تلتهمها التهاما. لقد اعتادت على القراءة واستمرت في قراءة الصحف بشكل يومي لبقية حياتها . لا أتذكر – يقول ابنها – أنني رأيت أمي بدون صحيفة أو مجلة عربية في يدها اللغة الوحيدة التي قرأتها وفهمتها هي العربية. بالنسبة لها، كانت اللغة العربية هي أفضل لغة في العالم. كانت لغة تراثنا الثقافي وهويتنا الثقافية أيضًا».

لقد بقيت السيدة أفيلال وفية لهواية قراءة الصحف حتى آخر عمرها. فعن سؤال عن الجرائد التي تقرأها اليوم؟ [أي قبيل وفاتها] أجابت قائلة: «اليد وما وجدت. لا أفرط في «الشرق الأوسط» و «المساء» و«الصباح» و «الشمال وتمودة» في بعض الحالات. أقضي وقتا طويلا وحدي لأنني مريضة، فأملأ وقتي بالقراءة وأستمع إلى الراديو، وفي بعض الحالات يعجبني مشاهدة التلفزة. أقرأ صحفا كثيرة لأنني تعلمت أن أقرأ بسرعة في طفولتي منذ التاسعة من عمري» يؤكد امحمد بن عبود بأن أمه لم تكن متعلمة للغاية فحسب، بل كانت تعتقد أن التعليم هو الهدف الأعلى الذي يمكن لأي شخص تحقيقه.

عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي

الكاتب: كتاب جماعي

الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)

بريس تطوان

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.