حفريات حول التطوانية زبيدة أفيلال أرملة الشهيد امحمد أحمد بن عبود (2) - بريس تطوان - أخبار تطوان

حفريات حول التطوانية زبيدة أفيلال أرملة الشهيد امحمد أحمد بن عبود (2)

زواج… واستقرار بمصر

بعد إتمام عامها الثالث في المدرسة الثانوية، قرّر والدها الوزير إخراجها منها لاعتقاده أنها تعلمت ما فيه كفاية، لتزفّ بعد ذلك إلى السيد امحمد بن عبود سنة 1945 وعمرها يقل عن عشرين سنة، كما جرت العادة بذلك داخل المجتمع التطواني في النصف الأول من القرن العشرين. وقد انهالت على العريس رسائل التهنئة وقفنا على اثنتين منها وردتا ضمن المراسلات السياسية والعائلية للشهيد امحمد بن عبود إحداهما لصديقه الأستاذvعبد المجيد بن جلون المتواجد بالقاهرة، ورد فيها (…) قبل أن أشرع في الكتابة إليك لا محيص لي أن أهنئك بالزواج، وأن أرجو الله تعالى أن تكون قد وجدته كما كنت تتصوره أيام العزوبة وعسى أن تكون متمتعا بالحياة منصرفا إلى حرمك المصون عن كل ما يحيط بك من المضايقات (…).

أما الرسالة الثانية، فقد بعث بها الأستاذ عبد الكريم بن ثابت من القاهرة إلى الشهيد امحمد بن عبود بطنجة بتاريخ 20 أكتوبر 1945 ليهنأه بزواجه السعيد، ويتمنى له السعادة والهناء والبنين والوفاء، وجاء فيها: فقد كان بودي أن أطير إليك لأهنئك بزواجك المبارك السعيد. وكان بودي أن أحضر حفلة زفافك لأزفك بنفسي إلى عتبة العالم الجديد الذي أصبحت تعيش فيه والذي أتمنى من صميم قلبي أن يكون سعيدا لك ولحرمك المصون.

وبعد شهرين من زواجها سافر بعلُها الشهيد امحمد بن عبود، إلى القاهرة للدفاع عن القضايا الوطنية من خلال نشاطه في الجامعة العربية بصفته رئيس الوفد الخليفي في اللجان الثقافية لدى الجامعة العربية. ولم يكن الشهيد بن عبود يطيق البقاء بعيدا عن زوجته، وحيدا بمنزله بالقاهرة، إذ نجده يلح في عدد من رسائله إلى أفراد عائلته بتطوان على ضرورة التعجيل بالتحاق زوجته السيدة زبيدة ،أفيلال به بقاهرة المُعزّ وهكذا أرسل لأخيه محمد رسالة بتاريخ 11 يناير 1947 يطلب منه التعجيل في اصطحاب زوجته إلى مصر، وقد ورد في الرسالة ما يلي:

أخي العزيز محمد، (…) كنت كتبت إليك بشأن أن تصحب معك زوجتي إلى مصر، وقد تأخر علي ردك في هذا الموضوع، والآن قد وصلتني رسالة من السيد ابن عبد الوهاب قال فيها أن زوجتي وجميع الأهل قد وافقوا على أن تأتي إلى مصر، وأنهم ينتظرونك أن تعود من إسبانيا، ولهذا أرجوك أن تعمل كل ما في وسعك حتى تتم هذه المسالة في أقرب وقت، والمطلوب هو أن تصطحبها معك، فإذا لم يمكنك ذلك فليصطحبها عبد السلام أو المهدي، ولا بد أن تأتي معها (خادم) وحبذا لو تكون مثل الياسمين». وحرصا منه على سلامة زوجته يصر الشهيد بن عبود على أن لا يكون سفر زوجته برا، أو بحرا، وإنما يكون بالطائرة من مدريد».

وباعتبار الوظيفة التي شغلها الشهيد بن عبود ومهامه السياسية بالقاهرة، وأخذا بعين الاعتبار الأوساط التي يحتك بها، وهي أوساط الدوائر العليا من الطبقة السياسية المصرية والدولية، وكذا الأوساط الثقافية والفنية، فإنه لم تفته الإشارة على أهله باقتناء الملابس والمستلزمات التي ستليق بزوجته حين التحاقها به في العاصمة المصرية، واحتكاكها بتلك الفئة العالية من المجتمع المصري؛ وهكذا يكتب في إحدى رسائله لأخيه محمد بهذا الخصوص قائلا: «ويجب أن تفصل الزوجة جميع ملابسها تفصيلا أوربيا من أحسن الأنواع، وأن تكون ثيابها مناسبة للجو هنا، بحيث يكون أغلبها من الحرير وقليلا منها من الصوف، لأن مدة الصيف هنا أطول بكثير من مدة الشتاء، وأن تشتري كل ما يلزمها من الملابس الداخلية والثقاشر والروب من الفرو وآخر من الصوف وكل ما تحتاج إليه. أما الملابس المغربية فلا يصلح لباسها هنا.

ومن المهم جدا أن تذهب إلى إسبانيا وأن تذهب معها أنت أو عبد السلام إلى أحسن الأماكن الفنية لتفصيل ملابس السيدات، وأن تفصل في حوالي عشرة فساتين (كساوي) مختلفة للباس في الصبح وبعد الظهر والليل، أما الاختيار في الأنواع والألوان فيجب الاستعانة فيها بصاحبات محلات التفصيل المختصة. وعلى العموم فكلما أمكنها أن تأخذ من هناك كل حوائجها يكون أفضل بكثير من أخذها من هنا، وإنما المهم أن تكون من أحسن الأنواع وأرجو ألا يتأخر وصولها إلى هنا أكثر من شهر ».

وكان الشهيد بن عبود قد عمل على توفير كل سبل الراحة لزوجته حتى قبل قدومها إلى القاهرة، إذ يطلب من أخيه محمد أن يطمئن زوجته زبيدة أفيلال ويخبرها «بأنها سوف لا تجد هنا ما يضايقها، فأنا [ يقول الشهيد بن عبود] أمكثُ في المنزل غالبا حيث أن أغلب الأعمال أقوم بها في المنزل، وسوف أهيئ لها هنا كل وسائل الراحة والتسلية، ثم وسائل السفر صارت الآن في منتهى السهولة والسرعة، ومن المؤكد أننا سنرجع بعد مدة معقولة إلى المغرب».

« أعد وصولك إلي… بدقات قلبي»

لقد تأخر التحاق السيدة زبيدة أفيلال بزوجها حوالي السنتين، وظل الشهيد بن عبود ينتظر وصولها على أحر من الجمر ، ولم يكن له من وسيلة لإرواء ولعه بزوجته وتخفيف معاناته من غيابها سوى المثابرة على كتابة الرسائل لها وهي رسائل يختمها دائما بعبارة: «زوجك المشتاق».

لقد كان أمر سفر زبيدة أفيلال يحتاج إلى توافق أفراد الأسرة بتطوان، ولم يحصل هذا التوافق إلا في شهر أبريل 1947، حينما أخبره السيد الحسن ابن عبد الوهاب بأن «جميع الأهل قد وافقوا على أن تلتحق بزوجها في القاهرة. ولقد أسعد هذا الخبر الشهيد بن عبود سعادة لا تملؤها الدنيا، وعبّر عن ذلك في رسالة له بعثها إلى زوجته زبيدة أفيلال بتاريخ 11 أبريل 1947 ، يقول لها فيها: «وإني لعاجز على أن أشرح لك عواطف الفرح والسرور التي أثارها هذا الخبر السار في أعماق نفسي وإني لأعد وصولك إلي منذ ذلك الحين بدقات قلبي.

عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي

الكاتب: كتاب جماعي

الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)

بريس تطوان

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.