إن بعض الأحكام الشائعة عن عمر ابن أ[ي ربيعة، والتي تصوره على غير حقيقته. فهي، في معظمها، تعتبره إباحيا ماجنا، لم يعرف الصدق في عاطفته، لا لشيء إلا لأنه لم يقف حبه على امرأة واحدة. وقد يكون أشهر هذه الأحكام، حكم الدكتور طه حسين، الذي وجد أن عمر ” لم يكن كالعذريين وإنما كان عمليا محققا، يلتمس الحب في الأرض لا في السماء ” وإنه لم يكن يحب بعقله ولا بقلبه، وإنما كان يحب بحسه، وبحسه ليس غير، أو حكم الدكتور زكي مبارك الذي رأى أن عمر لم يحب بقلبه، وإنما بعقله ولسانه، مدللا على ذلك بتعدد المحبوبات، زاعما أن من أحب غير واحدة فقلبه لم يحب.
وقد عاد الدكتور جبرائيل جبّور إلى البيئة التي عاش فيها عمر، يستقرئها ويستعين بما تمده به، ليبين خطأ هذه الأحكام التي تمعن في تبسيط الأشياء، فتشوه الحقيقة وتمسخها، لأن الحقيقة الحياتية معقدة متشعبة المناحي. ولقد توصل في استقرائه العلمي الرصين إلى إعطاء القارئ صورة عن عمر، أقرب إلى الطبيعة والواقع، يبرز الشاعر منها إنسانا عاديا، عرف الحب على درجات، اختلفت حدتها باختلاف محبوباته. فلئن كان راضيا في بعض حالاته، فإنه تألم في بعضها الآخر، كما يتألم غيره من المحبين، وحيل أحيانا بينه وبين من يحب، كما حيل بين بعض العذريين وحبيباتهم، فشكا الحرمان، وتذلّل كما يتذلل المدنفون من العشاق.
إن معظم هذه الأخبار، أقرب إلى الروايات الفنية منه إلى الحقيقة والواقع، ولاسيما وقد أقر عمر بنفسه، بأن بعض شعره لم يكن عن قصد منه، ولا كان في جارية بعينها، وإنه في كثير من الأحيان، لم يكن سوى رجل شاعر، يحب الغزل ويعشق القول في النساء. وقالت بعض الأخبار أنه تعرض بنساء الأمويين من غايات سياسية ترمي إلى النيل من الأمويين، والتملق إلى العباسيين، وقد دونت كل هذه الأخبار في دولتهم.
وقال البعض الآخر أنه تطرق بعد ذلك إلى اللواتي ذكرهن عمر في شعره، وقد ربا عددهن على الأربعين، فيحاول أن يستعيد من خلال الديوان، قصة عمر، مع كل واحدة منهن، ونشأة علاقته بها وتطورها، كما أنه يتتبع القصائد محاولا أن يستدل بمعانيها، أو بما استخدم فيها من ألقاب وكنى، على المحبوبة التي نظمت فيها.
أما القسم الثاني من الكتاب فقد خص به المؤلف شعر عمر، وبعد أن روى قصة الديوان وطبعاته المختلفة، راح يتتبع ما جاء في كتب الأدب من شعر لعمر لم يدخل في الديوان، كما أنه استعرض ما نسب إلى عمر من شعر غيره، وما نسب إلى غيره من شعره.
وينتهي الكتاب باستعراض لخصائص شعر عمر، وبتحليل لبعض قصائده، وبمجموعة من الفهارس، تجعل استخدام الكتاب أمرا ميسورا على الدارسين.
والله الموفق
28/08/2008