نتكلم عن كل من يفضل السهر متأخرا في الليل ويجد صعوبة في الاستيقاظ مبكرا في الصباح. هل لهذه العادة أو الخصلة علاقة بالمزاج الشخصي أم أنها تنم عن ظاهرة شخصية لها تفسير أعمق من ذلك وتتأتى عن دورة الجسم الزمنية وتوافقها مع طول اليوم القمري ؟
إن طول اليوم على سطح كرتنا الأرضية هو طبعا أربع وعشرون ساعة ولكن طول اليوم البشري قد يختلف عن ذلك. فقد لاحظ العلماء منذ عدة سنوات أن الأشخاص الذين يعيشون دون ساعات ضوء النهار في الكهوف العميقة أو في القطب الجنوبي خلال فصل الشتاء إنما ينزعون إلى العيش وفقا لدورة زمنية أطول تبلغ نحو خمس وعشرين ساعة وليس أربعا وعشرين ساعة وقد اكتشف ثلاثة من العلماء وهم ” مايلز” و “راينال” و “ويلسون” رجلا يعيش في وسط مجتمع اعتيادي ولكن جسمه لا يستطيع التكيف مع طول اليوم العادي البالغ أربعا وعشرين ساعة. يبلغ ذلك الرجل الثامن والعشرين من العمر وهو مكفوف منذ الولادة. وقد أشير إليه في البحث عن حالته باسم جي. إكس فقط. وكان هذا الشخص قد لاحظ قبل بضع سنوات اهتمام العلماء بحالته من أنه كان بين الحين والآخر يجد صعوبة في النوم أثناء الليل وكان يتثاءب ويطلب النوم أُناء النهار وذلك لفترة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع في كل مرة. الأمر الذي كان يتسبب في اضطراب عمله ونشاطه الترفيهي في أوقات الفراغ. ولما كان جي. إكس. عالما بيولوجيا فإنه قد دوّن في مفكرته ملاحظات عن نومه ونشاطه. ودل النمط اليومي الذي استنتج من الملاحظات في مفكرته والذي أكدته فيما بعد دراسة عملية استغرقت مدتها أحد عشر أسبوعا. دل على دورة يومية يبلغ طولها نحو خمس وعشرين ساعة. فكان جسم جي. إكس. يهيئ نفسه للنوم في كل يوم في وقت متأخر بالنسبة إلى اليوم السابق بساعة واحدة تقريبا. وكان ينام نوما عاديا لبضع ليال فقط مرة كل بضعة أسابيع. وكانت مشاكله تبدأ بعد بضعة أيام من ذلك حيث كان جسمه يعج بالحيوية والنشاط لعدة ساعات بعد حلول موعد النوم أثناء الليل وكان يجد صعوبة كبرى في النوم.
أما المشكلة الأخرى فكانت تبرز في كل صباح حيث كان يحاول النهوض من فراشه ولكن جسمه يمتنع عن ذلك ليطلب النوم حتى منتصف النهار وبمضي الوقت كانت فترة النوم تدور المدار الكامل مع عقربي الساعة من الصباح إلى بعد الظهر ثم المساء. وبعد ذلك كانت فترة النوم تتوافق لبضعة أيام مع أوقات الليل حيث كان جي. إكس. ينعم بقسط من الراحة وينام نوما اعتياديا أثناء الليل مرة أخرى. وبعد بضعة أيام كانت الدورة ذاتها تبدأ من جديد وهكذا دواليك. وتبين من الفحوصات والدراسات التي أجريت على جي. إكس. في المستشفى، أن طول الدورة الزمنية الطبيعية لجسمه إنما يبلغ نحو خمس وعشرين ساعة وليس أربعا وعشرين ساعة كما هو الحال بالنسبة إلى أغلبية الناس. إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على قوة الساعة البيولوجية التي تحكمت في حياة ذلك الشخص المشار إليه باسم جي. إكس. فمعظمنا يستطيع إخضاع الساعة البيولوجية في الجسم للعمل وفق دورة أربع وعشرين ساعة.
وقد نتساءل ما السبب في عجز جي. إكس. عن تحقيق ذلك ؟ يعتقد العلماء الذين درسوا حالة الشخص أن جانبا من السبب قد يعود إلى كون جي. إكس. فاقد البصر في ظلام دائم. فربما كان الأشخاص المبصرون يستطيعون ضبط ساعاتهم البيولوجية وفق دورة أربع وعشرين ساعة لا لأنهم يتحكمون في دورة نشاطهم بفعل إرادتهم الواعية بل لأنهم يتأثرون أيضا بجهاز بيولوجي لا واع يعتمد على ضوء النهار وظلام الليل. فيظهر أنه لا يكفي أن نظن أن الوقت هو وقت النهار بل ربما كان ضروريا أن نرى بأعيننا الضوء للدلالة على أن الوقت هوة النهار ذلك لأن الساعة البيولوجية في الجسم تعمل استجابة للإشارات الواردة مباشرة من العينين.
وأخيرا وليس آخرا فإن العلماء الذين درسوا حالة ” جي. إكس “. قد لاحظوا مصادفة غريبة في طول دورته اليومية البالغة أربعا وعشرين ساعة وتسعة أعشار الساعة على وجه التحديد. فهذه المدة بالذات تعادل إلى حد بعيد طول اليوم القمري. ومثال الدهشة في الأمر أن تكون هناك علاقة بين الساعة البيولوجية في جسم الإنسان على سطح الأرض وبين طول اليوم القمري.
والله الموفق 27/10/2008