🕋 تأملات من الحج
في مشاعر الحج، حيث تتساوى الألبسة، وتخفت المراتب، وتعلو الأرواح، نقف مع قصة رجلٍ لم يكن يُؤبه له في المجالس، لكنه نال من الحبيب ﷺ ثلاث كلمات رفعت قدره في الأرض والسماء:
> “هذا مني، وأنا منه.”
إنه الصحابي الجليل جُليبيب، البسيط في هيئته، العظيم في قربه من قلب رسول الله ﷺ، والذي اختُتمت حياته بشهادة مباركة، وقصة خالدة في السيرة.
🗣️ البداية… دعوة إلى الزواج
جاء النبي ﷺ يومًا إلى جُليبيب، ونظر إليه بمحبة، ثم قال:
> “يا جُليبيب، ألا تتزوج؟”
فقال جُليبيب، بكلمات تعبّر عن شعور كثير من المهمّشين:
> “يا رسول الله، ومن يُزوّجني؟! والله ما من بيت من الأنصار إلا ويُؤثرونك بأنفسهم، ولا يروني إلا كاسدًا!”
فقال له النبي ﷺ بحنان القائد والرفيق:
> “لكنّك عند الله لست بكاسد، وسأخطب لك.”
💍 النبي يخطب له فتاة من الأنصار
توجّه النبي ﷺ إلى بيت أحد الأنصار، وقال:
> “زوّجني ابنتك.”
قال الرجل: “نِعمًا وكرامة، يا رسول الله.”
قال: “لكنني لا أريدها لنفسي، أريدها لجُليبيب.”
فوقع التردد في قلب الأب، واستشار الأم، فاعترضت.
لكن المفاجأة جاءت من الفتاة الصالحة، التي قالت:
> “أتردّون على رسول الله أمره؟! والله لن أتزوج غيره.”
فدعا لها النبي ﷺ:
> “اللهم صبّ عليها الخير صبًّا، ولا تجعل عيشها كدًّا.”
ففاض الخير عليها بعد زواجها، وصارت من أنعم نساء المدينة.
⚔️ نداء الجهاد… موعد الشهادة والرفعة
لم تمضِ أيام حتى نادى منادي الجهاد.
شارك جُليبيب، وقاتل بشجاعة، واستُشهد بعد أن قتل سبعة من المشركين.
وبعد المعركة، قال النبي ﷺ لأصحابه:
“هل تفقدون أحدًا؟”
قالوا: لا.
قال ﷺ: “لكني أفقد جُليبيبًا.”
فبحثوا عنه، فوجدوه شهيدًا، تحيط به جثث من صرعهم بسيفه.
اقترب منه النبي ﷺ، وجلس عند رأسه، واحتضنه، ثم قال:
“هذا مني، وأنا منه… هذا مني، وأنا منه… هذا مني، وأنا منه.”
ثم تولّى دفنه بنفسه، ووضعه في القبر بيديه الكريمتين.
💞 وفاء السماء للزوجة الصابرة
بعد استشهاد جُليبيب، أصبحت زوجته تُعرف في المدينة بأنها: “المرأة التي دعا لها رسول الله ﷺ.”
فتوافد عليها رجال الأنصار وأشرافهم يخطبونها، يطلبون بركة دعاء النبي ﷺ، وسُمعَ في المدينة أن من أراد الخير في الدنيا والآخرة، فليتزوجها.
🕋 من تأملات الحج
في الحج، كما في القصة:
من لا يُؤبه له في الأرض، قد يكون من أقرب الناس إلى الله
لا تحقر أحدًا بلباسه أو لهجته أو هيئته، فالله يرفع بصدق القلوب لا بأناقة الصور
الرضا بقضاء الله، والقبول بأمر نبيه ﷺ، طريق للخير الذي لا يُحصى
🤲 دعاء وتأمل
اللهم اجعلنا ممن تقول فيهم:
> “هذا مني، وأنا منه”
ولا تجعل في قلوبنا حسدًا ولا كبرياء،
وارزقنا صدقًا كصدق جُليبيب، ورضًا كرضا زوجته،
وارفع قدرنا بصدق نيتنا، لا بمظاهرنا.