ثقافة الخطر - بريس تطوان - أخبار تطوان

ثقافة الخطر

مازلنا كلنا نتذكر تسجيل أول حالة إصابة بكوفيد-19 في الدار البيضاء، وعوض أن يلوذ الناس بمنازلهم خوفا واحتياطا هرعوا عن بكرة أبيهم للمستشفى لرؤية وتحية المصاب وكأنه بطل قومي حقق إنجازًا باهرًا.

لم ننس بعد حادث أحد دواوير إقليم تارودانت حيث واصل فتيان لعب مباراة في كرة القدم ضمن دوري محلي، رغم أن السيل كان قادما ووصلت بوادره وهديره، ولم يتحرك أحد حتى جرف السيل اللاعبين والمتفرجين وأودى بحياة مجموعة منهم.

ومازال بوسع كل واحد منا أن يرى كل يوم، في فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي، سيولا قادمة أو تعتلي قنطرة وبعض المواطنين يتفرجون عليها ضاحكين مستبشرين وهي توشك أن تبتلعهم أو يعبرونها بشاحناتهم وسياراتهم فتقع الكارثة.

هل لدينا ثقافة الخطر؟ هل نتخذ الإجراءات اللازمة أمام حادث يهدد حياتنا أو حياة الآخرين؟ لماذا تستهوينا الكوارث وحب التفرج عليها ولو اقتضى ذلك سد الطريق وترك الشغل الذي كنا ننصرف لإنجازه؟ علينا أن نفكر في إعادة بناء علاقتنا بالخطر والكوارث التي هي جزء من مجرى الطبيعة وجزء من حياتنا.

كان جدودنا يتجنبون بناء دورهم في الأودية مخافة السيول، وكنت ترى الدور معلقة في الربوات رغم عناء صعودها ونزولها طلبًا للماء، يفعلون ذلك لأنهم يعرفون أن السيل كالطائر الكاسر يعود لبيضه (حصاه) مهما طال غيابه. كان جدودنا يخافون النار وقدراتها الرهيبة والرحيمة في الآن نفسه، ويحذرون من الاقتراب منها..، وكانوا أيضًا يلحون على عدم الثقة في الماء وضرورة قياس منسوبه وقوته قبل المغامرة بدخوله.

وها نحن صرنا نبني في مجرى الأنهار والسيول لنتفرج بعد ذلك في الماء وهو يحطمها، وصرنا نرى «شفناجًا» في سوق عامر يدفئ قنينة غاز كبيرة بجمر مشتعل، وصار الماء واندفاعه لعبة يمكننا أن نجرب أمامها شجاعتنا ونختبر فيها قدرة شاحناتنا وسياراتنا.

لم نعد نحس بالخطر، ولم تعد لنا ثقافة الخطر، غير أنه ليست هناك حياة من دون أخطار، وكما يطالب البعض بخلق حيز في مدارسنا للتربية الفنية والتربية الجنسية، علينا أن نطالب أيضًا بتخصيص برنامج للتربية على مواجهة الأخطار بلا استخفاف وبلا هلع زائد.

إننا نفقد سنويا عشرات الأرواح كان بالإمكان الحفاظ عليها لو احترمنا الحياة قليلًا وابتعدنا عن تلك القدرية القاتلة التي تبرر عجزنا وتخاذلنا بمشيئة الله. اعقلها وتوكل..


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.