يستعد المغرب للمشاركة مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم مباريات مونديال كرة القدم سنة 2030 وهذا الحدث يلزم الحكومة بتنفيذ جملة من شروط الفيفا كتوفير ملاعب المنافسات وأخرى للتدريب ، وبنيات تحتية (طرق السيار وخطوط السكك الحديدية والمطارات الضرورية ودعم منشآت الماء الشروب والاستحمام الخ.) والفنادق الكافية لاستقبال الوافدين ، وخدمات أخرى موازية كتطوير وسائل الإعلام وتقنيات تواصل واحتياطات أمنية الخ.
مونديال 2030: ربح وتطوير
يرى البعض أن تنظيم مباريات مونديال كرة القدم 2030 ببلادنا بمشاركة كل من إسبانيا والبرتغال هي فرصة كبيرة لتطوير البنيات التحتية وإحداث وتطوير الملاعب الرياضية ومراكز التدريب ورفع معدل النمو وجلب مئات الملايين من العملة الصعبة للاقتصاد مما سيؤثر إيجابا في إحداث فرص التشغيل ودعم استثمارات في مجالات البناء والسياحة والنقل والخدمات الخ.
وهكذا ففي مجال النقل فإن أغلب المدن الستة ( طنجة والرباط والدار البيضاء وأكدير ومراكش وفاس) التي تقام بها المباريات سترتبط بخط سككي فائق السرعة إضافة إلى تحسين شبكة الطرق السيار والوطنية والمرافق العامة للنقل، وسيدعم مجال الخطوط الجوية الداخلية والخارجية بشكل يومي وفتح المجال الجوي لشركات طيران أخرى واقتناء طائرات جديدة، وهو ما سيجعل التنقل بين المدن مسألة سهلةً لكل من يرغب في متابعة أكثر من مباراة مبرمجة، هذا بالإضافة إلى تطوير ودعم وسائل الخ .
وفي مجال الخدمات فمن المتوقع رفع السعة الإجمالية للقطاع السياحي بـ 40 ألف غرفة جديدة ليصل الإجمالي إلى 330 ألف غرفة فندقية (وفقاً لمخطط عمل الشركة الحكومية للهندسة السياحية) كما سيتم توفير عروض سياحية ترفيهية متنوعة في المدن المستضيف لمواكبة تدفق المتفرجين والسياح فضلا عن الجوانب التنظيمية واللوجستية الأخرى.
وفي مجال التنمية المستدامة يرى البعض أن استضافة المونديال لكرة القدم سيخدم المغرب طويلا بعد البطولة، ويحقق سهولة التنقل وتعزيز الروابط الاقتصادية بين مختلف مناطق البلاد وسيسهم الاستثمار في البنية التحتية وفي تقليل التفاوت بين المدن الكبرى والمدن الأقل تطورا، مما يعزز من توازن التنمية على الصعيد الوطني ويدعم التوزيع المتوازن للثروة، وتحقيق التنمية المستدامة في كافة المناطق، لا سيما من خلال بنية تحتية تعزز الاندماج الوطني الإقليمي.
أما بخصوص الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية فبخصوص العائدات المالية فحسب تقارير بعض البيانات فتقدر العوائد المالية المباشرة وغير المباشرة لهذا الحدث ما بين 8 و10 مليارات دولار، وزيادة عدد السياح والإيرادات السياحية، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية ، وعائدات حقوق البث والرعاية، وتعزيز قطاع الرياضة، كما أنه من المتوقع أنه بعد التنظيم ستكون وجهة المغرب معروفة، وستكون هناك مجموعة من البنيات التحتية التي وفوائد طويلة الأمد ستسمح للمواطنين بولوج سلس لعدد من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والثقافية والرياضية، وبالتالي المساهمة في تحقيق هدف الوصول إلى 26 مليون سائح في أفق 2030. للبنية التحتية
تنظيم مونديال 2030 مغامرة غير محسوبة العواقب
مقابل ذلك يرى البعض أن تنظيم المونديال لكرة القدم ببلادنا هي مغامرة وغير محسوبة العواقب في حد ذاتها وأنه بالرغم من رفع مستويات النشاط السياحي والسمعة التي يخلفها تنظيم كأس العالم، فإن فرص العمل لن ترتفع إلا بنسبة ضعيفة وغير مستدامة مقابل ارتفاع التضخم وزيادة الدين العام والخاص وارتفاع أسعار العقارات .
يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن الرفع من حجم الاستثمارات بمناسبة تنظيم كأس العالم ببلادنا سيرهن المغرب بديون جديدة ، وأن التأثير على سوق العمل سيكون مؤقتًا ومرتبطا بمرحلة بناء الملاعب وتحديث البنية التحتية، وليس بسبب الرفع من مستوى الإنتاج الزراعي والقطاعات الأخرى، علاوة على أن زيادة عدد السياح لن تستمر بعد كأس العالم.
ويعطي محلل اقتصادي أمثلة سلبية أخرى كارتفاع التضخم كما وقع للبرازيل سنة 2014 ، وزيادة الدين العام والخاص كما وقع وفي ألمانيا سنة 2006 ، وارتفاع أسعار العقارات كما حدث مع دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا بالولايات سنة 1996 ، ويقول أن اليونان دخلت في أزمة اقتصادية بعد تنظيم الأولمبياد في 2004 وما زالت تداعياتها قائمة حتى الآن، ويضيف أن عددا من المعطيات الرقمية الخاصة بتنظيم كأس العالم ما زالت غائبة، خاصة حجم النفقات الخاصة ببناء الملاعب وتجهيزها والبنية التحتية والأمن والرعاية الصحية، وباقي الشروط المفروضة من قبل الفيفا، بالإضافة إلى المداخيل المخصصة لتغطية هذه النفقات، وحسب رأيه فإن المغرب قد يدخل في مخاطرة كبيرة بتنظيمه كأس العالم 2030.
ويشير تقرير شركة إدارة الأصول إلى أن “المغرب سيلجأ إلى سوق الدين الخاص من طرف الشركات الحكومية، بالإضافة إلى قروض خارجية، وهو ما بدأ بالفعل حيث يستعد البنك الأفريقي للتنمية للمشاركة في توفير قروض مهمة لتمويل هذا الحدث الكروي يناهز 650 مليون يورو، كما أن هذا البنك ليس هو الوحيد الذي يخطط لدعم المملكة قبيل كأس العالم فقد قال رئيس البنك الأوروبي للاستثمار” إن استضافة المملكة لكأس العالم مع إسبانيا والبرتغال فرصة لتحقيق تحول كبير في تطوير البنية التحتية وهذا شيء ندعمه.
وهكذا وبغض النظر عن هذه الآراء المتضاربة بين مؤيد ومتخوف من تنظيم مونديال 2030 ببلادنا فإننا نعرف أن المغرب يسير بوتيرتين متناقضتين : وتيرة تهم مناطق الدار البيضاء وأكدير ومراكش والرباط وطنجة وفاس حيث البنيات التحتية والمرافق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أحسن حالا مقارنة مع المناطق النائية ببلادنا كتطوان والعرائش ووزان والحسيمة وغيرها بشرق البلاد وجنوبها ( يطلق عليها بالمغرب الغير نافع ) تعاني من نقص مهم في بنياتها التحتية والفوقية كالمستشفيات والمدارس والمناطق الصناعية والتجهيزات السياحية الخ . ولذلك كما يقول البعض فإن درأ المفاسد قبل جبل المصالح وأنه من الأجدر أن تنصب الجهود على محو الفوارق المجالية بين مختلف ربوع البلاد واتقاء تداعياتها السلبية الاقتصادية والاجتماعية بدل تنظيم تظاهرة رياضية عالمية لا تتعدى مدتها أسبوعين أو ثلاثة وكما يرى البعض بأنها تشكل مغامرة غير محسوبة العواقب.
يمكن القول أيضا أن تنظيم مونديال 2030 سيكون له تداعيات أخرى اجتماعية مهمة نظرا لحاجة توفير رصيد عقاري مهم لتطوير البنيات التحتية والفوقية الضرورية وسيكون لهذا الحدث الرياضي أيضا عدد مهم من الضحايا بسبب ما نعرفه من تعامل بعض المصالح المركزية والإقليمية عندما يتعلق الأمر بنزع الملكيات العقارية وعدم احترام مسطرتها القانونية ، وعلما بما تعج به المحاكم من ملفات شكاوى الضحايا الذين سلبت منهم أراضيهم بطريقة إجبارية بتعويض هزيل أو بدونه ، وعلما بأنه تم ويتم حاليا تجريف عقارات ببعض الأماكن بالرباط والدار البيضاء لتحسين خدمات الحركة والنقل استعدادا للحدث الكروي العالمي ببلادنا وتحسين المجال البيئي بالمدن الكبرى . فما هي أهمية نزع ملكية العقارات وتداعياتها .
يتبع…