أولى الإسلام العلوم الطبية عناية فائقة، إذ تعد صحة الأبدان من مقاصد الشريعة الإسلامية، فإذا نظرنا إلى التشريعات الدينية في هذا الجانب سنجد أدلة عديدة من الكتاب والسنة تبين أهمية الطب في حياة الناس، وتحثهم على المحافظة على صحتهم وسلامة أبدانهم، منها قول الرسول : من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
والأكيد أن مهن الطب والتمريض تعد من أنبل وأشرف المهن منذ الخليقة وإلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها لما فيها من خير للأمة، وإنقاذ للنفس التي أمر الله تعالى بحفظها، وتخفيف للآلام البدنية، وللكرب النفسية، فهي من أنفع العلوم بعد علوم الشريعة كما قال الإمام الشافعي (رحمه الله) : ((إنما العلم علمان: علم الدين وعلم الدنيا. فالعلم الذي للدين هو الفقه والعلم الذي للدنيا هو الطب)). وقد وعت عقول علماء الإسلام عظم هذه الصنعة، فعدوها من العلوم الضرورية، وعنوا بها أشد العناية وخلدت أسماء مسلمين كثر نبغوا في علومها وبلغوا فيها أعلى المراتب، فكان لهم عظيم الأثر على الحضارة الإنسانية إلى عصرنا الحالي.
والمتأمل في صفحات التاريخ الإسلامي يدرك بما لا مجال للشك فيه أن هذه المهن لم تكن، في ظل الحضارة الإسلامية، حكرا على الرجال دون النساء، إذ تحفظ لنا كتب السير والتراجم أسماء نساء مسلمات مارسن التمريض والإسعاف الصحي في زمن النبوة، كرفيدة بنت كعب الأسلمية الأنصارية)، وأمية بنت قيس الغفارية)، وأم عطية الأنصارية)، وأخريات سرن على دربهن فسطع اسمهن ببلاد الأندلس والمغرب كأم عمر بنت الطبيب أبي مروان عبد الملك بن زهر ) ، والعالمة الجليلة أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطنجالي)، وعائشة ابنة الشيخ أبي عبد الله بن الجيار السبتي، وغيرهن كثر …
ولازالت المرأة المسلمة في المملكة المغربية إلى يومنا هذا تؤدي دورا فاعلا في عملية البناء الحضاري، سواء بتنشئة وتأهيل أبناء وبنات المجتمع في مدرستهم الحياتية الأولى «البيت الأُسري»، أو من خلال مجموعة من المهن التي تزاولها، إذ بلغ معدل مشاركة النساء في القوى العاملة النشيطة خلال سنة 2019 نسبة 21،5، كما بلغت نسبة مشاركة المرأة في سوق الشغل في مجال الوظيفة العمومية برسم سنة 2020 حوالي 34،5، ورغم أن هذه النسبة تظل ضعيفة مقارنة مع نسبة مشاركة الرجل، إلا أنها تختلف بحسب القطاعات الوزارية، بيد أنها تعرف ارتفاعا ملحوظا في قطاع الصحة العمومية حيث تبلغ نسبة تمثيلية النساء بالنسبة لأعداد الموظفين المدنيين 2 ،63، مقابل 8 36% بالنسبة للرجال)، وتعمل 57 من النساء في المجال الطبي و 66% في المجال الشبه طبي، مما يبرز الحضور القوي للمرأة في ميدان العمل الاجتماعي بنسبة 64% من مجموع موظفي القطاعات الاجتماعية.
هذا الحضور القوي للنساء في الخطوط الأمامية للمهن الصحية يجعلهن أكثر عرضة لتهديدات وباء كوفيد 19 ، ويضاعف ثقل المسؤوليات الملقاة على عاتقهن، إذ يتعين عليهن بالإضافة إلى المهام المنوطة بهم في مجالات التطبيب والتمريض والتخصصات الاجتماعية القيام بمزيد من الأعباء المنزلية بسبب الإجراءات الاحترازية التي صاحبت انتشار هذا الوباء من قبيل تدابير الحجر الصحي ومواكبة دراسة أبنائهن وبناتهن في ظل تبني وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لصيغة التعليم عن بعد.
عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي
الكاتب: كتاب جماعي
الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)
بريس تطوان
يتبع…