تطوان.. متحف في الهواء الطلق - بريس تطوان - أخبار تطوان

تطوان.. متحف في الهواء الطلق

بريس تطوان

عند مدخل المدينة، ترحب تطوان بزوارها بمنحوتة ضخمة لمثل حمامة بيضاء، ومن السلام والتعايش بين الشعوب. من خلال هذا النصب الذي أنجزه النحات الإسباني كارلوس غارسيا مويلا، والذي يقف مهيبا عند مدخل المدينة، تقول تطوان للوافدين عليه بلغة الفن والثقافة: أهلا وسهلا بكم.

تحلق الحمامة نحو سماء المدينة لتحط على جرس كنيسة “سيدة الانتصارات”، تلك البناية ذات المعمار الرائع التي رسمها وسهر على تشييدها، خلال العقد الثاني من القرن العشرين، المهندس المعماري والضابط في الجيش الاسباني كارلوس أوفيلو، والتي لا تزال ترتادها الجالية المسيحية الإسبانية والفرنسية المقيمة بالمدينة. ومن أعلى المبنى، يمكنك الاستمتاع بمشاهدة L’Ensanche قلب المدينة الجديدة خلال الحقبة الاستعمارية، حيث تتقابل العديد من المباني في تناغم رائع. ويشكل هذا الفضاء عقدا من الجواهر المعمارية الذي تحيل فيه كل واجهة، وكل شرفة، وكل نافذة على حقبة من حقب الحماية الإسبانية في شمال المغرب.

ويتكون هذا الفضاء بشكل أساسي من ساحة “مولاي المهدي”، والتي لا تزال تعرف باسمها السابق “بلازا بريمو”، وبوسطها نافورة ضخمة، الحيط بها العديد من المباني ذات الأنماط المختلفة مثل مبني مكتب البريد الذي يعبر بشكل مثالي من العمارة الرسمية التي سادت خلال فترة فرانكو بعد الحرب، حيث تبرز جمالية الفضاء في انسجام ملفت بين تصاميم النافورة والكنيسة وجميع المباني المحيطة ليضفي هذا الناعم على المدينة سحرا أندلسيا وهوية تتمازج فيها الأصالة والتفرد.

يرن جرس الكنيسة في أوقات محددة، وتحمل رناته الحمامة في التحليق فوق المدينة الجديدة، لنجوم فوق شارع محمد الخامس، أحد الشرايين الرئيسية في المدينة من هنالك، يمكن للمرء أن يمتع نظره بمفاتن المباني التي تشهد على تاريخ غني بالتنوع المعماري. يقودنا الشارع إلى مبنى “Equitativa” الذي تم تشييده سنة 1920 بتصميم وضعه المهندس المعماري كاسطو فيرنانديز شو بحس فني أكثر حداثة على شكل مئذنة استلهم عناصر زخرفتها من مرجعيات جمالية غربية ينتقل الزائر بعد ذلك إلى الثكنة العسكرية القديمة التي شيدت بين عامي 1915 و 1917، يقوده مساره نحو تمثال العنقاء الشهير الذي يتوج برج أحد المباني التي يطلق عليها أهل تطوان اسم “دار الطير”.

هذا النصب المشهور في تطوان والمنطقة المحيطة، هو مزيج رائع من الزخارف النابعة من التقاليد العقلانية في التلاثينيات ومن عناصر العمارة العربية مثل أقواس حدوة الحصان وأبواب ألفيز. على الجانب الآخر من الشارع، يوجد معهد سرفانتس، المعروف سابقا باسم “المكتبة الاسبانية”، وهو مبنى انشأ على طراز الفن الجديد (الأرث نوفو)، و”الكازينو الأسباني” الذي شيد في العشرينات من القرن العشرين على النمط التاريخي لتلك الفترة، والذي يضم تأثيرات  واضحة للحدثة المتوسطية والمشرقية والكتالونية.

“المسرح الإسباني” الذي تحتوي واجهته على عناصر مستوحاة من العمارة العربية، يمثل تحفة فنية أخرى من ثلاثينيات القرن الماضي لا تزال ترحب بعشاق الأفلام، ولا تزال تذهل المشاركين دورة تلو الأخرى في مهرجان الفيلم المتوسطي السنوي الذي يقام في تطوان.

على مرمى حجر من موقع المسرح الاسباني، توجد المحطة القديمة لحافلات التي صممها المهندس بوستندوي، وتم بناؤها  في الخمسينيات من القرن الماضي في السنوات الأخيرة من فترة الحماية. وتعتبر هذه البناية شهاد حي على تطور العمارة المحلية وتبنيها لقواعد ومبادئ الحركة الدولية التي تتميز بالتخلي عن المواضيع المحلية كما تحتوي هذه الجوهرة المعمارية على لوحات جدارية رائعة الرسام مارينو بيرتوتشي، وتستحق عناية أكبر ومجهودا حقيقيا للثتمين. يمكن للزائر أن يستريح في “ساحة الفدان” القديمة أمام القصر الملكي (المشور) ، وهي حاليا واحدة من أكثر الأماكن شهرة في المدينة نظرا لتاريخها التليد، وللجاذبية الخاصة التي تحظى بها لدى السكان الذين يرتادون يوميا للفسحة مع العائلة. دمرت هذه الساحة في التسعينيات من القرن الماضي، ثم أعيد بناؤها على بعد مئات الأمتار من موقعها الأصلي. ولا زالت كما كانت مكانا دافئا للقاء العائلات وفضاء للعب للأطفال.

من القصر الملكي يمكن للمرء الوصول إلى المدينة القديمة عبر باب الرواح الذي يعد جزءا من البوابات السبعة للمدينة. تتميز مدينة تطوان العتيقة ببساطتها ودقة هندستها المعمارية ومنظرها الحضري. ويتميز نسيجها العمراني بالشرايين الرئيسية التي تربط البوابات السبعة، وتتيح الوصول إلى الساحات العامة مثل “الوسعة” أو “الغرسة الكبيرة”، وإلى المباني التاريخية ذات الطبيعة الاجتماعية كالفنادق والزوايا والأحياء المخصصة للصناعات الحرفية والتجارة، مثل شارع “الصياغين” بأقواسه وممراته، ومسجد “الجامع الكبير”، الذي بني في بداية القرن التاسع عشر بالقرب من الحي اليهودي القديم، والذي تهيمن مئذنته على مرتفعات المدينة. تتفرع عن هذه الشوارع الرئيسية طرق ثانوية، على غرار زنقة “السبع اللواوي” (سبع منعطفات) الضيقة والمشهورة، وتؤدي إلى ممرات مسدودة وإلى تجمعات سكنية. لقد تمكنت تطوان، المدينة المخضرمة الإسبانية والمغربية، الحاضرة الهادئة، من الحفاظ على مر العصور على أصالتها وبساطتها، وعلى أرقى تقاليدها.

العنوان: تطوان إرث وطموحات متوسطية

إشراف: كريمة بنيعيش / سعيد الحصيني

(بريس تطوان)

يتبع


شاهد أيضا