بريس تطوان
في إطار الاحتفاء بالتجارب الأدبية المغربية المتميزة، شهدت مدينة تطوان حدثا ثقافيا رفيعا خُصّص لتكريم الكاتبة والناقدة الدكتورة لطيفة لبصير، بعد فوز روايتها “طيف سبيبة” بجائزة الشيخ زايد للكتاب لسنة 2025.
وقد نظم اللقاء كل من مختبر الدراسات اللغوية والأدبية والثقافية بشعبة اللغة الإنجليزية بجامعة عبد المالك السعدي، والمركز الثقافي “إكليل”، بحضور نخبة من المبدعين والباحثين والطلبة، الذين تفاعلوا مع تجربة أدبية وإنسانية تراهن على الوعي الاجتماعي وقيم التعاطف.
افتُتح اللقاء الأول يوم الخميس 30 أكتوبر 2025 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان بكلمة ترحيبية ألقاها الدكتور كريم بجيت، أبرز من خلالها المسار الإبداعي الغني للكاتبة، ومكانتها ضمن الأصوات الأدبية المغربية والعربية البارزة، مؤكداً أن تجربتها تمثل “نموذجا للأدب الذي يربط الجمال بالالتزام الإنساني”.
وأدارت الحوار الطالبة الباحثة إكرام ابن طلحة، حيث تم تسليط الضوء على رواية “طيف سبيبة” باعتبارها نصا ينطلق من تجربة واقعية تتناول معاناة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، إذ أوضحت لبصير أن الرواية تسعى إلى “بثّ وعي إنساني جديد يدعو إلى احتضان الاختلاف بدل إقصائه”.
وأضافت أن العمل الأدبي يتجاوز البعد الجمالي إلى بعد أخلاقي يناهض التنمر والعنف، ويرسّخ ثقافة التفاهم داخل الوسط الأسري والتربوي، مؤكدة أن الأدب يجب أن يكون “مرآة للإنسان ومعبرا عن هشاشته وقوّته في آن واحد”.
وفي معرض حديثها عن رمزية الرواية، أشارت لبصير إلى أن اختيار الساردة الطفلة “هبة” لم يكن اعتباطيا، فهي “النافذة التي ترى العالم بعين البراءة، وتترجم صمت الطفل المتوحد إلى لغة مفعمة بالأمل”، كما أوضحت أن اللون الأصفر على غلاف الرواية يرمز إلى “التوازن بين القلق والشفاء”، وأن الفن، مثل الرسم والكتابة، يمكن أن يكون علاجًا نفسيا وجسرا للتعبير عن الذات، مستحضرة تجارب فنية عالمية مثل فان غوخ وفريدا كاهلو.
اللقاء الثاني، الذي احتضنه المركز الثقافي “إكليل” يوم الجمعة 31 أكتوبر، قدّمه الأستاذ رشيد برهون، الذي أشاد بمسار الكاتبة الإبداعي والنقدي، وبقدرتها على المزاوجة بين الحس الإنساني والعمق الفكري.
وخلال اللقاء، تناولت لبصير الجوانب الاجتماعية والنفسية للرواية، داعية إلى تبني مقاربة شمولية في التعامل مع الأطفال المتوحدين، تقوم على الفهم والتقبل لا على الإقصاء.
وشهدت الأمسية لحظة مؤثرة حين قُدِّم مقطع فني مستوحى من رسالة “هبة” إلى الأطفال بصوت طفلة صغيرة، جسّد القيم الإنسانية التي تتضمنها الرواية، كما قدّم عدد من الباحثين مداخلات نقدية ركزت على البعد الجمالي والرمزي في النص، معتبرين أن “طيف سبيبة” رواية تمزج بين الألم والأمل في لغة شفافة تفيض بالإنسانية.
اختُتم الحفل بتكريم الدكتورة لطيفة لبصير من طرف مدير المركز الثقافي عماد العطار، وتسليمها درع التميز، إلى جانب حفل توقيع لروايتها وسط حضور نوعي من الفاعلين الثقافيين والأكاديميين.
ويأتي هذا الاحتفاء كتأكيد على الدور المتجدد للأدب المغربي في الدفاع عن القيم الإنسانية، وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح، حيث تحوّل صوت لبصير الأدبي إلى نداء للأمل وفهم الآخر في زمن تزداد فيه الحاجة إلى إنصات متبادل يحيي جوهر الإنسان فينا.






