… والشيء المثير في ترجمة عالمنا المهدي الفاسي أنه كان يعرف كل طبوع الموسيقى الأندلسية الأربعة عشر، التي يظهر أنها كانت معلومة ومعروفة ومطبوعة بأوزانها ، وأن العالم المحقق السيد الشلبي من مكناسة الزيتون كانت له مدرسة للموسيقى يعلمها لتلامذته الموسيقيين ومن بينهم السلطان سيدي محمد بن عبد الله والعالم الموسيقي عبد الكريم بن زاكور، والمهدي الفاسي الذي أسس الزاوية الفاسية الكائنة بحومة الاترنكات بتطوان التي كانت النواة الأولى للموسيقى، حيث كانت تمزج انشاد الأذكار ببعض الآلات الموسيقية التي كان يعزفها المهدي الطاهر الفاسي بحكم اتقان تعليمها على أستاذه الشلبي المكناسي، وكان هو والعالم الأديب عبد الكريم بنزاكور قد تخرجا من مدرسة واحدة كما أشرنا، فكان وجودهما معا بمدينة تطوان يُساهمان في تنشيط هذه الموسيقى، وكان كل منهما يحضر مجالس الآخر سواء بالزاوية أو بالمجالس الخاصة.
وكان مولاي المهدي الفاسي قد توفي بتطوان 1178 هـ/1764م قبل عزل ابن زاكور بسنة واحدة، ومن المؤسف أنه كان يحفظ جميع النوبات الأندلسية الأربع والعشرين كما نقلت إلنا من الأندلس غير أنه لم يترك أي تأليف بشأنها مما ضاع نصفها تقريبا رغم أنهما كانا من رجال العلم والأدب والتصوف فكانت الأجواء الموسيقية في عهدهما مزدهرة علما وفنا من حيث تأليف الموشحات ووضع القصائد، والتغني بجمال تطوان ومفاتنها الخلابة في كيتان وغيرها.
أما محمد الحسين الحايك فإنه تعلم الموسيقى إرثا عن أجداده وآبائه بحكم تجذره الأندلسي، وتدرج عائلته في العلم وتوليها مناصب القضاء بتطوان كما أورد ذلك السكيرج والرهوني وداود في مؤلفاتهم، وهي مدرسة موسيقية مغربية لعبت دورا هاما في الحياة الفنية بالمغرب.
وهكذا يكون الحقل الموسيقي بتطوان قد عرف نخبة من الأعلام البارزين والعلماء المجيدين الذين أغنوا الساحة الموسيقية بكل إبداعاتهم وإضراقاتهم الفنية، فحافظوا على المشبع بكل الفنون الحضارية كما وصل إلينا بغناه وثراه المكين في النفوس.
عن “الأجواء الموسيقية بتطوان وأعلامها”
لمؤلفه محمد الحبيب الخراز
بريس تطوان/يُتبع