رأينا في مقالة سابقة تحت عنوان ” تنظيم مونديال 2030 ربح أم خسارة ؟” ( تطوان بريس 2/2/2025 ) أنه على بلادنا مواجهة تحديدات توفير البنييات التحتية والتجهيزات الأخرى والخدمات الضرورية للوفاء بشروط الفيفا لتنظيم هذا اللعبة الكروية العالمية ببلادنا، وأشارنا إلى أن بعض المحللين الاقتصاديين يرون في هذا ربح مهم يروم تطوير البنيات التحتية، والملاعب الرياضية، ورفع معدل النمو، وجلب الكثير من السياح ومئات الملايين من العملة الصعبة، مما سينعكس إيجابا على الاقتصاد وإحداث فرص التشغيل ودعم استثمارات البناء والسياحة والنقل والخدمات الخ.
ورأينا كيف أيضا أن البعض الآخر يرى أن تنظيم مونديال 2030 (بمشاركة إسبانيا والبرتغال) هو مغامرة غير محسوبة العواقب وأن زيادة حجم الاستثمارات (بمناسبة هذا الحدث الكروي) سيرهن مستقبل المغرب بديون جديدة سيكون له سلبيات كارتفاع التضخم كما وقع للبرازيل سنة 2014، وزيادة الدين العام والخاص كما وقع لألمانيا سنة 2006، وارتفاع أسعار العقارات كما حدث مع دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا بالولايات سنة 1996، وأن اليونان دخلت في أزمة اقتصادية بعد تنظيم الأولمبياد في 2004 وما زالت تداعياتها قائمة حتى الآن.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب يسير بوتيرتين متناقضتين: وتيرة تهم المدن الكبرى التي ستستضيف مباريات لعبة كرة القدم حيث البنيات التحتية والمرافق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بها أحسن حالا مقارنة مع المناطق النائية شمال وشرق وجنوب البلاد (يطلق عليها المغرب الغير نافع) وأن درأ المفاسد هو قبل جلب المصالح، وأنه من الأجدر أن تنصب الجهود على محو الفوارق المجالية بين مختلف ربوع البلاد واتقاء تداعياتها السلبية.
إن تنظيم مونديال 2030 وحتى (كأس إفريقيا قريبا) سيكون له زيادة على ذلك تداعيات أخرى اجتماعية وانتهاكات قانونية مهمة نظرا لحاجة توفير رصيد عقاري مهم للوفاء بشروط الفيفا لاستضافة مباريات هذين الكأسين وسيسفر ذلك عن عدد مهم من الضحايا.
إن نزع ملكيات الأراضي للمنفعة العامة يكون عن طريق اقتناء الأراضي للمنفعة العامة بالتراضي مع الملاكين (وهذا هو الأصل وقليل مع يحدث)، أو عن طريق البيع الإجباري للأراضي عملا بالقوانين الجاري العمل وعلى السلطات القضائية في هذه الحالة التحقق من مدى الالتزام بالإجراءات المسطرية ثم الفصل في شكاوى من تنزع منهم ملكية أراضيهم.
بناء على ما نسمعه ونقرأه تقوم المصالح المركزية والإقليمية والمجالس الحضرية بنزع الملكيات العقارية ولا تحترم المسطرة القانونية ينتج عنه تراكم المئات أو الآلاف من ملفات شكاوى الضحايا بالمحاكم بسبب سلبت منهم أراضيهم بطريقة قهرا وغالبا بدون تعويض أو تعويض زهيد.
ونرى ونسمع أنه يتم حاليا تجريف أراضي وعقارات سكنية ببعض أحياء الرباط وسلا والدار البيضاء وغيرها استعدادا لاستضافة تنظيم كأس إفريقيا قريبا وكأس العالم سنة 2030 وهذا يعني أن العديد من هذه المصالح تلجأ إلى الشطط في استعمال السلطة ونزع ملكية بعض الأراضي قهرا ولا تلتزم بالقوانين المنظمة وتجبر الضحايا باللجوء إلى المحاكم بينما على هذه المصالح أن تقوم هي بأخذ إذن من المحاكم لنزع ملكيات الأراضي .
حسب ما جاء على موقع يوتوب YouTube لمستشار بجماعة الرباط منذ بضعة أيام أنه يتم حاليا نزع ملكيات أراضي الخواص وتجريف بعض البناءات لتوسيع الطرقات استعدادا لتنظيم ألعاب كأس إفريقيا نهاية 2025، ويضيف أنه لا يتم احترام القانون 7.81 بل الاعتداء المادي على حقوق المواطنين ليذهبوا إلى المحكمة ، ويضيف
أنه يجب أولا أن يكون هناك مرسوم لنزع الملكية أو مقرر إداري بالنسبة للجماعات الترابية ثم مرحلة قضائية إذا لم يكن هناك تراضي – وغالبا لا يكون هناك تراضي – لأن مبلغ التعويض يكون هزيلا.
ويرى هذا المستشار أن جماعة الرباط ليس لها ميزانية لتعويض أصحاب الأرضي نظرا لأهمية أثمانها بمختلف أحياء الرباط ونظرا لقرب تاريخ تنظيم كأس إفريقيا لكرة القدم ومن ثم تقوم المصالح المعنية بتجريف عقارات وفيلات ودور المواطنين بجماعة الرباط ويتفاجؤون بالاعتداء على أملاكهم – وستظل شكاياتهم في المحاكم لسنوات- بينما أحكام القانون تجبر المصالح والمؤسسات المعنية الراغبة بالحصول على الأراضي لضرورة المصلحة العامة أن تقوم هي باللجوء إلى القضاء لتفعيل مسطرة نزع ملكيات الأراضي.
ويضيف هذا المستشار بجماعة الرباط، أنه إذا كان تنظيم ألعاب كأس إفريقيا يجرنا إلى الاعتداء المادي على أملاك المواطنين وحقوقهم وحتى بدون تعويضهم وانتهاك حرمة القانون والدستور ومبادئ الشريعة الاسلامية فلا حاجة لنا بتنظيم هذه الألعاب، ويقول أيضا أن هناك أحكاما عديدة لصالح الضحايا قد تفوق قيمتها 20 مليار لن تستطيع الجماعات الترابية أبدا أداءها وحتى وإن تم تنفيذ هذه الأحكام فلن تستطيع هذه الجماعات إذ ذاك أداء حتى أجور موظفيها بل وسيتم إقفال أبوابها بل وأيضا إدخال السجن بعض مستشاريها.
ويقول هذا المستشار أيضا أن ما يقع بجماعة الرباط هو فقط أحد الأمثلة التي تقع في جماعات كبسكورة وسلا والدار البيضاء مثلا وأنه على المخزن أن يخبر المواطنين أنه لم يعد العمل بقانون نزع الملكية الذي يضمنه الدستور والشريعة الإسلامية السمحة.
بناء على هذه الشهادة الصوتية ومما نسمع ونرى يمكن القول أيضا أن الأمر لا يقتصر على قرب تنظيم لعبة كرة القدم بل وأن العمل بنزع ملكية أراضي المواطنين جبرا أصبح شبه مألوف على مستويات أخرى منها مثلا:
+ عند انتقاء أراضي لنزع ملكيتها يتم صرف النظر عن بعض الأراضي الأخرى حتى لا يتم نزع ملكية أصحابها نظرا لتدخل أيادي نافذة وكلنا نعرف أهمية الفساد والرشوة ببلادنا،
+ يتم نزع ملكية أراضي من إصحابها للمصلحة العامة ليس لبناء السدود والجسور والموانئ والمساجد الخ. بل لتفويت بعضها إلى أصحاب رؤوس الأموال بعد إعدادها بأموال المواطنين من خزينة الدولة ، وهذا ما تم فعله بطنجة حي ملاباطا ( 330 هكتار ) وبتطوان ( كابو نكرو ، سمير ، رستنكة إلى شواطئ الفنيدق ) وبشواطئ أخرى شمال وغرب البلاد ، فقد استفاد الكثير ممن يسمون ب” المنعشين العقاريين والمستثمرين حتى الأجانب” ولم يلتزموا ببناء الفنادق بل بنوا أحياء سكنية وفيلات.
+ تقوم الوكالات العقارية بإصدار تصاميم تهيئة تدرج فيها اراضي الأماكن التي ستحتضن مشاريع للبنيات التحتية وغيرها ؛ هذه الأراضي يتم وضع اليد عليها ولا يمكن لصاحبها بيعها ولا للمستثمرين شراءها ، وكثيرا ما لا يتم إحداث مشاريع الجماعة الحضرية بها، والأدهى من ذلك أن الضحية لا تستفيد من أي تعويض لتجميد ارضه لمدة عشر سنوات بل يتم إدراج أرضه مرة ثانية في تصميم جديد للتهيئة دون اعتبار للقانون الذي ينص على عدم إدراج وضع اليد مرة ثانية على أرض تم نزع ملكيتها وولم يتم إقامة المشاريع بها، وهذا يعني أن صاحب الأرض يكون ضحية عدم استغلال أرضه مدة 20 سنة (وقد يزيد) وأنه يملك فقط أوراق ملكية أرضه ويمنع عليه التصرف فيها، وإذا ذهب إلى المحكمة فلا يحصل على مراده وقد ترفض طلبه (مثلا المحكمة الإدارية حكم 319 ملف 624/ 7112/2019. ثم اللجوء إلى محكمة النقض بتاريخ 3/2023 وقد يتم رفض الطلب كذلك)!!.
+ تقوم بعض المؤسسات بالاستيلاء على أملاك المواطنين وإحداث مشاريعها والاستفادة منها مثلا ما تقوم به شركة الماء والكهرباء ” أمانديس ” بتطوان عندما أقدمت هذه الشركة بحفر قناة للصرف الصحي بحي ” جامع مزواق ” تحت ذريعة المصلحة العامة بدون اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية ، وبعد بضع سنوات قضت المحكمة بعدم مشروعية عمل الشركة ( المحكمة الإدارية بالرباط . ملف رقم 1440/7112/201 . حكم رقم 139 بتاريخ 2/2/2021) ولكن الشركة أصرت على عدم قبول حكم المحكمة ثم اللجوء إلى محكمة الاستئناف ولم ترض الشركة بالحكم ( ثم ولربما محكمة النقض ، وهكذا لسنوات طوال) وتظل الشركة تسفيد في مداخيل هذا المشروع جبرا (وبغير حق كما قضت المحكمة) وتستخلص من المواطنين مداخيل الاشتراك والتطهير ( منذ 20 سنة تقريبا ) دون حتى الاعتناء بهذه قناة الصرف الصحي ومراقبة تسرب الماء خارج هذه القناة وتظل الضحية لسنوات تتجه إلى المحاكم وأداء تعويضات الخبير والمحامي ونسبة حقوق المحكمة .
يمكن لنا أن نعطي نماذج أخرى عن حرمان المواطنين من أراضيهم…. وهذا يبين ضعف احترام القوانين ببلادنا واستيلاء بعض المصالح المركزية والإقليمية ( وحتى لوبيات العقار ) ظلما على عقارات وأراضي المواطنين علما بأن ملك البلاد أصدر تعليماته خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى بتاريخ 14 أكتوبر 2016 قائلا ” فالعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية ، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب. إن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه، ولا ينبغي أن يتم تغيير وضعية الأرض التي تم نزعها، وتحويلها لأغراض تجارية، أو تفويتها من أجل المضاربات العقارية.
إن القاعدة في ديننا الحنيف وحسب فتوى مجمع الفقه الإسلامي (18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م.) وفقهاء الأمة بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة أن يكون نزع الملكية للضرورة القصوى وبرضا صاحب الأرض وتعويض عادل مناسب وأن التسلط على انتزاع المال قھرا ، إن لم یقترن به دفع العوض العادل ، فهو ظلم وفساد .
جاء في الحديث الشريف أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول االله، أرأیت إن جاء رجل یرید أخذ مالي؟، قال: “فلا تعطيه مالك”، قال: أرأیت إن قاتلني؟، قال: “قاتله، قال: أرأیت إن قتلني؟ قال: “فأنت شھید”، قال: أرأیت إن قتلته قال “ھو في النار” . ومصداقا لقوله صلى الله عليه ولم ” من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد” ، وهذا يعني ألا يترك المسلم للآخرين المعتدين سلب أرضه منه بل يدافع عنها ولو بنفسه . أما المعتدين على أرض الغير فجاء في حديث الصادق المصدوق قوله صلى الله عليه وسلم “مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ.”
وجاء في كتاب الله عز وجل قوله تعالى (یَا أَیُّھَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُم). وقال سبحانه إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا”
هذه هي مبادئ دين ربنا العظيم، فقد حرم علينا الظلم كما حرمه على نفسه سبحانه وتعالى وطلب منا أن نأكل الحلال وفصل لنا سبحانه كل شيء وأوصى عز وجل نبيه الكريم ببيان كل شيء لعباده قولا وعملا مصداقا لقوله سبحانه ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ صدق الله العظيم.
والحمد لله رب العالمين.