تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية التعبير في الفضاء الإعلامي المغربي بين التحديات القانونية والأخلاقية - بريس تطوان - أخبار تطوان

تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية التعبير في الفضاء الإعلامي المغربي بين التحديات القانونية والأخلاقية

مقدمة:

لا شك في أن كل متتبع للمستجدات يعرف أن العالم يشهد تحولا رقميا هائلا، وتشكل فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) أحد ركائزه الرئيسة، وقد أضحت تؤثر هذه التقنيات على مختلف جوانب الحياة، منها صناعة الإعلام وحرية التعبير. وهذا ما يثير تساؤلات جدية حول تأثير ظهور الذكاء الاصطناعي في الإعلام على نشر المعلومات وتشكيل الرأي العام، وخاصة في سياق دول مثل المغرب الذي يحاول مواجهة تحديات الانتقال الديمقراطي وتعزيز حرية التعبير والإعلام.

وعلى ذلكم الأساس، تتمثل أهمية هذه الورقة البحثية في كونها تساهم في فهم أعمق لعلاقة الذكاء الاصطناعي بحرية التعبير في سياق الإعلام المغربي، مقدمة -كما نأمل- إسهاما علميا من خلال دراسة واقع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي، وتحليل التأثيرات المحتملة لهذه التقنية على حرية التعبير، واقتراح حلول ممكنة لتنظيم استخدامها.

كما تقدم الورقة قيمة عملية للصحافيين والعاملين في مجال الإعلام وصناع القرار في المغرب، حيث ستساعدهم ربما في فهم التحديات والفرص المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامه لتعزيز حرية التعبير وحماية حق من الحقوق الأساسية للإنسان.

وأول ما يتبادر إلى الذهن بهذا الصدد هو الإشكال الرئيس المتمثل في:

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على حرية التعبير في وسائل الإعلام بالمغرب؟

من خلال التأطير العام للورقة البحثية، واستحضار الإشكال الرئيس، سنعمل على طرح الأسئلة الفرعية التالية:

  • ما هو واقع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي؟
  • ما هي التحديات القانونية والأخلاقية التي يثيرها استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي؟
  • كيف يمكن تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي لضمان حرية التعبير؟

وفي هذا الإطار، فإن المنهج المتبع في معالجة تلكم الإشكالات أعلاه يتمثل في المنهج الوصفي لعرض واقع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي، مع استخدام المنهج التحليلي لفهم تأثير هذه التقنيات على حرية التعبير. كما تم الاستعانة بالمنهج المقارن لمقارنة تجربة المغرب مع بعض الدول الأخرى في مجال تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام. بالإضافة إلى ذلك، تم الاعتماد على المنهج الاستقرائي لاستخلاص النتائج وصياغة المقترحات.

تصميم الورقة:

المبحث الأول: علاقة الذكاء الاصطناعي بحرية التعبير في ظل واقع الإعلام المغربي وتحدياته

  • المطلب الأول: الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي بين الواقع والتطلعات
  • المطلب الثاني: تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية التعبير في المغرب

المبحث الثاني: رؤية جديدة لضبط الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي بين القانون والأخلاق

  • المطلب الأول: التحديات القانونية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام
  • المطلب الثاني: استشراف إطار قانوني وأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

المبحث الأول: علاقة الذكاء الاصطناعي بحرية التعبير في ظل واقع الإعلام المغربي وتحدياته

أحدثت التقنيات الجديدة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، نقلة نوعية في مختلف القطاعات، ولا سيما في المجال الإعلامي. ولقد أصبح الإعلام المغربي جزءا من هذا التحول الرقمي العالمي، حيث تم دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات جمع وتحليل المعلومات وتوجيه المحتوى نحو جمهور أوسع وأكثر تنوعا. ومع هذا التطور، تثار تساؤلات جدية حول تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية التعبير في بلادنا، خاصة في ظل واقع إعلامي يتسم بتحديات قانونية واجتماعية عديدة.

وفي هذا المبحث، سنتناول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي وحرية التعبير في الإعلام المغربي من خلال مقاربة مزدوجة، وذلك عبر رصد الواقع الراهن لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي وتطلعاته نحو مستقبل أفضل (المطلب الأول)، بينما يركز الوجه الثاني من المقاربة على دراسة التأثيرات المحتملة لهذه التكنولوجيا على حرية التعبير، وما يترتب عليها من فرص ومخاطر في السياق المغربي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي بين الواقع والتطلعات

يشهد عالم الميديا والإعلام تحولا جذريا بفضل التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، مما يفتح آفاقا واسعة أمام تطوير وتحسين العمل الإعلامي.

وعلى هذا الأساس، يبرز هذا المطلب واقع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي، مسلطا الضوء على التجارب والمبادرات المبكرة في هذا المجال، كاستخدام روبوتات الدردشة وأدوات الترجمة الآلية (الفقرة الأولى). كما يستشرف المطلب التطلعات والتحديات المرتبطة بتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي، مركزا على الإمكانات الكبيرة التي يوفرها لإنتاج محتوى أكثر دقة وتخصيصا، بالإضافة إلى تحديات البنية التحتية ونقص الكفاءات التي تحول دون التقدم السريع في هذا الباب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: واقع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

يشهد قطاع الإعلام في المغرب تحولات جذرية مع ولوج تقنيات الذكاء الاصطناعي ساحة العمل الصحافي والإعلامي ولو بشكل محتشم. ولفهم هذا التحول وأبعاده، سنتطرق في هذه الفقرة إلى جانبين رئيسين: تعريف الذكاء الاصطناعي واستخداماته، حيث سنوضح ماهية هذه التقنية وأبرز تطبيقاتها في المجال الإعلامي بشكل عام (أولا)، ثم سنعرج على استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي، لنستعرض الممارسات الحالية والتجارب الرائدة في توظيف هذه التقنيات داخل المؤسسات الإعلامية المغربية، مما يمهد الطريق لفهم أعمق لتأثيرها على المشهد الإعلامي الوطني (ثانيا).

أولا: تعريف الذكاء الاصطناعي واستخداماته

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي (AI) بأنه قدرة الآلات على محاكاة الذكاء البشري، بما في ذلك إمكانية وقابلية التعلم وحل المشكلات واتخاذ القرارات.[1] ويتم تحقيق ذلك من خلال تطوير خوارزميات وبرامج حوسبية معقدة قادرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات واستخلاص الأنماط والمعلومات منها.[2]

وتتنوع استخدامات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، منها ما هو مرتبط بالسيارات ذاتية القيادة، حيث تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من أجهزة الاستشعار والكاميرات للتحكم في حركة السيارة واتخاذ القرارات في المواقف المختلفة أثناء السياقة.[3]

كما نجد AI يستخدم في التشخيص الطبي، حيث يتم الاستعانة به لتحليل الصور الطبية ونتائج المختبرات وتحديد الأمراض بدقة عالية.[4] أيضا للتكنولوجيا دورا في خدمة العملاء أو الزبائن، حيث تستعمل روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقديم إجابات سريعة ودقيقة على استفسارات العملاء وشكاياتهم.[5]

والحالة هذه، فإن الإعلام الدولي يشهد تحولا عميقا بفضل استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب العمل الإعلامي، ومنها كتابة الأخبار التي أضحت تعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي لكتابتها وإعداد تقارير إخبارية قصيرة وبسيطة، خاصة في المجالات التي تنصب على البيانات والأرقام مثل النتائج الرياضية والتقارير المالية.[6] أيضا تستخدم أدوات الترجمة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحويل المحتوى الإخباري إلى لغات مختلفة، مما يسهل الوصول إلى جمهور أوسع.[7] ناهيك عن أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تسخر لمكافحة الأخبار الكاذبة، وذلك عن طريق تحليل المحتوى الإخباري وتحديد الأخبار الزائفة والمضللة.[8]

ثانيا: استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي

فيما يتعلق بواقع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام المغربي -وهو ما يهمنا في مقالنا- فيجدر بنا القول أنه لا يزال استخدام AI في الإعلام المغربي في مراحله الأولى، لكن هذا لا ينفي أن هناك بعض التجارب والمبادرات الواعدة، منها:

– استخدام بعض المواقع الإخبارية المغربية لروبوتات الدردشة لتقديم إجابات على استفسارات القراء، إذ نجد لدى موقع “هسبريس” روبوت دردشة مدعوم بالذكاء الاصطناعي غرضه تقديم إجابات على استفسارات القراء حول مواضيع مختلفة، مثل الأخبار والرياضة والسياسة، ويتم تدريب روبوت الدردشة على كميات كبيرة من البيانات لتقديم إجابات دقيقة وشاملة، حيث يمكن للقراء التفاعل مع هذا الروبوت من خلال واجهة سهلة الاستخدام على الموقع الإلكتروني أو تطبيق الهاتف المحمول.

وفي نفس المنحى، أطلق موقع “شوف تيفي” روبوت دردشة خاص به لتقديم خدمة إخبارية مخصصة للقراء، حيث يمكنهم من اختيار المواضيع التي يهتمون بها لتلقي آخر الأخبار والتحديثات بشكل آني، كما يتيح روبوت الدردشة أيضا للقراء التفاعل مع فريق التحرير وطرح أسئلتهم أو الإدلاء بمداخلاتهم.

– استخدام بعض المؤسسات الإعلامية المغربية لأدوات الترجمة الآلية لترجمة المحتوى الإخباري إلى اللغة العربية، ولعل أبرزها وكالة المغرب العربي للأنباء (MAP)، حيث تقدم الوكالة خدمة إخبارية باللغتين العربية والفرنسية. وفي إطار سعيها لتوفير الوقت والجهد، تعتمد الوكالة على أدوات الترجمة الآلية لترجمة بعض المحتوى الإخباري من الفرنسية إلى العربية،[9] مع خضوع هذه الترجمة الآلية لمراجعة دقيقة من قبل محررين متخصصين لضمان دقة وسلاسة النص قبل نشره.

كذلك، تستخدم قناة “الجزيرة مباشر مغرب”، وهي قناة إخبارية مغربية تبث برامجها باللغة العربية، أدوات الترجمة الآلية لترجمة بعض المحتويات الإخبارية من لغات أخرى إلى العربية.[10]

– اهتمام بعض الجامعات المغربية بتدريس تخصصات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف المجالات ومن بينها الإعلام. فعلى سبيل المثال، تقدم كلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط برنامج ماستر في “الذكاء الاصطناعي وهندسة المعرفة”،[11] على أن هذا البرنامج يهدف إلى تكوين متخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في عدد من المجالات المختلفة.

زيادة على ذلك، تقدم كلية العلوم والتقنيات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء برنامج ماستر في “هندسة البرمجيات وأنظمة المعلومات – مسلك الذكاء الاصطناعي”،[12] حيث يهدف هذا البرنامج إلى تكوين مهندسين في الذكاء الاصطناعي ومجالات اشتغاله.

[1] راسل ستيوارت وبيتر نورفيج، الذكاء الاصطناعي: نهج حديث، دار بيرسون للنشر، الولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الرابعة، 2020، ص 1.

[2] نيلسون نيلس جون، فهم الذكاء الاصطناعي، مطبعة جامعة كامبريدج، المملكة المتحدة، طبعة 2014، ص 2.

[3] مجموعة مؤلفين، الكشف العميق عن الكائنات المتعددة كالوسائط والتجزئة الدلالية للقيادة الذاتية: مجموعات البيانات والأساليب والتحديات، منشورات معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، الولايات المتحدة الأمريكية، طبعة 2020، ص 2.

[4] مجموعة مؤلفين، تصنيف سرطان الجلد من طرف الأطباء باستخدام الشبكات العصبية العميقة، مجلة Nature Publishing Group، العدد 7639، المجلد 542، المملكة المتحدة، سنة 2017، ص 115-118.

[5] هيل فورد، و. ر. وفاريراس، المحادثات الحقيقية مع الذكاء الاصطناعي: واجهة المحادثة، معاملات ACM حول التفاعل بين الإنسان والحاسوب (TOCHI)، مجلة ACM Press، العدد 5، المجلد 22، الولايات المتحدة الأمريكية، سنة 2015، ص 1-29.

[6] كليروال كريستوفر، دخول الصحافي عالم الروبوت، مداخلة في الندوة الدولية حول الصحافة على الأنترنت بأوستن، تكساس، اطلع عليه بتاريخ 02/09/2024، على الساعة 23:00 ليلا (الرابط مختصر): https://n9.cl/ok9sfa

[7] فرانز جوزيف أوش، وناي هارمان، الترجمة الآلية الإحصائية: اللسانيات الحاسوبية، مجلة Computational Linguistics، العدد الأول، المجلد 29، ألمانيا، سنة 2003، ص 19-37.

[8] ثورن جيمس، وفلاتشوس أنطونيس، التحقق الآلي من الحقائق: صياغة المهام، ومجموعات البيانات، والنتائج الأولية، ورشة عمل حول استخراج الحقائق والتحقق منها، المؤتمر الدولي في مجال معالجة اللغات الطبيعية، سنة 2018، اطلع عليه بتاريخ 01/09/2024، على الساعة 12 زوالا:

www.google.com/url?sa=E&q=https%3A%2F%2Faclanthology.org%2FW18-5500%2F

[9] موقع وكالة المغرب العربي للأنباء: www.mapnews.ma/ar

[10] موقع قناة الجزيرة مباشر مغرب: www.aljazeera.net

[11] جامعة محمد الخامس بالرباط، ماستر الذكاء الاصطناعي وهندسة المعرفة، اطلع عليه بتاريخ 04/09/2024، على الساعة 14:23 زوالا: www.fsr.ac.ma/master-intelligence-artificielle-et-ingenierie-des-connaissances

[12] جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ماستر هندسة البرمجيات وأنظمة المعلومات، مسلك الذكاء الاصطناعي، اطلع عليه بتاريخ 04/09/2024، على الساعة 19:44 مساء:

www.fstm.ac.ma/fr/filieres/master-genie-logiciel-et-systemes-d-information


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.