تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية التعبير في الفضاء الإعلامي المغربي بين التحديات القانونية والأخلاقية (4)
الفقرة الثانية: ضرورة التساؤل حول مستقبل حرية التعبير في ظل تطور الذكاء الاصطناعي
مع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المتزايد على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الإعلام والتواصل، أصبح من الضروري إعادة تقييم مفهوم حرية التعبير وآفاقه المستقبلية في المغرب. ولفهم هذا الموضوع بشكل أعمق، سنتناول نقطتين أساسيتين: الوضع الحالي لحرية التعبير في المغرب، لنرسم صورة واضحة عن الواقع الراهن (أولا)، ثم مستقبل حرية التعبير في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، حيث سنستكشف التحديات والفرص التي تطرحها هذه التقنيات الجديدة على مشهد حرية التعبير في بلادنا (ثانيا).
أولا: الوضع الحالي لحرية التعبير في المغرب
تعد حرية التعبير ركيزة أساسية للديمقراطية وازدهار المجتمعات، ووعيا منه بذلك، شهدت حرية التعبير بالمغرب في مجال الإعلام تحولات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، إذ عرفت فترة بعد ما عرف “بالربيع العربي” تطورا واضحا في حرية التعبير في مجال الإعلام، حيث توسع المشهد الإعلامي وظهرت منصات جديدة للتعبير عن الآراء والنقد السياسي، إذ أصبح من الممكن انتقاد السلطة وطرح القضايا الاجتماعية والسياسية بمزيد من الجرأة والشفافية، وهذا التطور أدى إلى تحسن الوصول إلى المعلومات وزيادة الوعي بالقضايا المجتمعية.[1]
ووفقا لتقرير منظمة “فريدوم هاوس” لسنة 2023، حصل المغرب على درجة 37 من 100 في مؤشر الحرية، مما يصنفه كـ “دولة غير حرة جزئيا”،[2] وهذا ما يشير إلى وجود تحديات ملحوظة فيما يتعلق بحرية التعبير، حيث لا يزال هناك قيود قانونية واجتماعية تفرض على حرية الإعلام والتعبير عبر الأنترنت، على أن هذه القيود قد تتفاقم مع التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي إذا لم تتم معالجتها بشكل مناسب.
ولعل ما جاء في التقرير يمكن أن يكون نتيجة للتضييق على الصحافة وملاحقة الصحافيين وتقييد حق الوصول إلى المعلومات وحرية الصحافة رغم التقدم المحرز في هذا الباب. ناهيك عن أن مدونة الصحافة والنشر[3] تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه حرية التعبير، حيث تتهم باحتوائها على بنود غامضة تسهل ملاحقة الصحافيين وتقييد حرية التعبير،[4] كما تشير إلى ذلك منظمات حقوق الإنسان حول وجود تضارب بين بنود القانون والعهود الدولية التي أقرها المغرب حول حرية التعبير والصحافة.[5]
وعلى مستوى السلطة، فلا يزال هناك ضغط من لدنها على وسائل الإعلام، حيث تشير منظمات حقوق الإنسان إلى وجود أشكال من التدخل في العمل الإعلامي وتحديد مواضيع النشر وفرض أجندات معينة على وسائل الإعلام، مما يحد من حرية التعبير ويؤثر على مصداقية المعلومة.[6]
إذن، تشير التطورات في مجال الإعلام المغربي إلى تقدم ملحوظ في حرية التعبير في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك تحديات كبيرة لا يزال يواجهها هذا الحق الأساسي. وننوه هنا إلى أنه يمكن للمغرب أن يحقق مزيدا من التقدم في هذا المجال من خلال إصلاح قوانين الصحافة والنشر وضمان استقلال وسائل الإعلام وحماية الصحافيين من التضييق والملاحقة، مع العمل على تعزيز ثقافة احترام حرية التعبير والتنوع في المجتمع المغربي.
ثانيا: مستقبل حرية التعبير في ظل تطور الذكاء الاصطناعي بالمغرب
يشهد العالم تحولات جذرية بفضل (AI)، ويعد المغرب من بين الدول التي تدرك أهمية دمج هذه التقنيات في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك مجال الإعلام. لذلك تثير هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول مستقبل حرية التعبير في المغرب، فهل سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير إيجابي على تعزيز حرية التعبير أم سيكون له تأثير سلبي يحد من حق التعبير ويفاقم من مخاطر التضليل والرقابة الآلية؟
وفي هذا الصدد، نعتقد أنه من الإيجابيات المحتملة زيادة الوصول إلى المعلومات، على اعتبار إمكانية أن يساهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الوصول إلى المعلومات وتخصيصها على ضوء اهتمامات كل فرد، مما يساهم في تعزيز الوعي والقدرة على مشاركة المعلومات. وقد رأينا سلفا كيف تستخدم منصات مثل “Le360″ و”Medi1 TV” الذكاء الاصطناعي لتخصيص المحتوى، مما يعزز من وصول جمهور أوسع إلى معلومات متنوعة.
أيضا، نرى أنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في ترجمة المحتوى إلى اللهجات المغربية المختلفة، مما يرسخ التنوع الثقافي واللغوي ويساهم في فهم أفضل لتجارب المجتمع وتعزيز الحوار بين أفراده. ولكن، يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي أيضا على حق الأفراد في الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة، فمع تزايد الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي في تقديم المحتوى، يمكن أن تصبح المعلومات أكثر تعرضا للتلاعب والتضليل، مما يصعب من تمييز الحقيقة من الكذب، ويحد من قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات مستنيرة.
وفي مقابل ذلك، فإننا لا يمكن أن نغض الطرف عما يثيره استخدام الذكاء الاصطناعي من مخاوف حول إمكانية فرض رقابة أكثر دقة وشمولية على المحتوى عبر الأنترنت، حيث يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تحدد وتحذف المحتوى “غير المرغوب فيه” وفقا لمعايير محددة.
ويشمل هذا التخوف ما يسمى بالتضليل المعلوماتي، على اعتبار أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي تستغل لإنشاء ونشر معلومات مضللة بشكل أسرع وأكثر إقناعا، مما يشكل تهديدا لحرية التعبير ويصعب من تمييز الحقيقة من الكذب.
ومع لغة الأرقام، وطبقا لتقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية سنة 2022، زاد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع الإعلام بنسبة 30% خلال العامين الماضيين.[7] كما أجرت جامعة محمد الخامس بالرباط دراسة سنة 2023 ووجدت أن 65% من الصحافيين المغاربة يعتقدون أن للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على حرية التعبير في السنوات القادمة.[8]
وعلى ضوء هذه المعطيات، فإن التحديات تزيد مع زيادة قدرة الذكاء الاصطناعي على جمع وتحليل البيانات الشخصية، لتولد مخاوف مضاعفة بشأن الخصوصية وحماية البيانات، لذلك نشدد على ضرورة تطوير إطار قانوني يواكب التطورات التكنولوجية، وفي مقدمتها قانون حماية البيانات الشخصية رقم 09-08، الصادر سنة 2020، ليشمل تحديثه تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستجدة.[9]
لكن، إذا كانت التحديات قائمة بالفعل، فهناك فرص لائحة في الأفق وجب استغلالها، كفرصة التعليم مثلا، إذ يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الوعي العام حول قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان، مما يساهم في فهم أفضل لأهمية حرية التعبير والاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الحديثة.
وفي نهاية الفقرة، تجدر الإشارة إلى أن التساؤل حول مستقبل حرية التعبير في المغرب في ظل تطور الذكاء الاصطناعي هو أمر ضروري وملح، ويجب على جميع أصحاب المصلحة والمتدخلين والفاعلين من الجسم الصحافي الإعلامي أو الحكومي، العمل معا لضمان أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي إيجابيا على حرية التعبير وحقوق الإنسان في المغرب.
[1] منظمة مراسلون بلا حدود، مؤشر حرية الصحافة العالمي تقرير 2023، ص 125-128.
[2] Freedom House, Freedom in the World 2023, Morocco.
[3] ظهير شريف رقم 1.16.122، صادر بتاريخ 6 ذي القعدة 1437 (10 غشت 2016)، بتنفيذ القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، الجريدة الرسمية عدد 6491، بتاريخ 5 شوال 1437 (9 غشت 2016)، ص 5992.
[4] أحد الأمثلة التي يتم الإشارة إليها على أنها قد تتعارض مع العهود والاتفاقيات الدولية هو المادة 72 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، والتي تنص على عقوبة السجن في حالة “الإساءة إلى الإسلام، أو النظام الملكي، أو الوحدة الترابية، أو شخص الملك وأسرته”.
إن هذا البند يعتبر من قبل بعض المنظمات الحقوقية مقيدا لحرية التعبير، خاصة عند مقارنته مع المعايير الدولية لحرية الصحافة المنصوص عليها في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن الحق في حرية التعبير “دون تدخل غير مبرر”. ووفقا لهذه المنظمات، يمكن اعتبار هذه المادة غامضة وفضفاضة، مما يسهل استخدامها لملاحقة الصحافيين الذين ينتقدون الحكومة أو يطرحون قضايا حساسة، وهو ما قد يتعارض مع التزامات المغرب الدولية المتعلقة بحرية الصحافة.
[5] منظمة حماية الصحافيين (CPJ)، حالة المغرب، نيويورك، تقرير 2023، ص 23-28.
انظر كذلك:
هيومن رايتس ووتش، حق حرية التعبير في المغرب، تقرير 2023، ص 45-52.
[6] منظمة فريدم هاوس، الحرية في العالم: تقرير 2023، ص 145-150.
انظر كذلك: معهد الضغط العالمي، حالة المغرب، واشنطن، تقرير 2023، ص 85-92.
[7] وزارة الاقتصاد والمالية، تقرير حول استخدام التكنولوجيا في قطاع الإعلام، المغرب، سنة 2022.
[8] جامعة محمد الخامس، دراسة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة المغربية، سنة 2023.
موقع الجامعة: https://www.um5.ac.ma/
[9] ظهير شريف رقم 1.09.15، صادر في 18 فبراير 2009، بتنفيذ القانون المتعلق بحماية البيانات الشخصية رقم 09-08، الجريدة الرسمية عدد 5750، بتاريخ 3 مارس 2009، ص 1012.