تأثر المرأة التطوانية بنظيرتها الأندلسة - بريس تطوان - أخبار تطوان

تأثر المرأة التطوانية بنظيرتها الأندلسة

أغفلت النصوص التاريخية هذا الجانب المؤثر في شخصية المرأة التطوانية، ولم تسعفنا النصوص في الضفر بشيء في هذا المجال، لكن سنحاول التقاط الدرر بما سنستنتجه من خلال ربط العلاقة بين ما هو أندلسي وما هو مغربي/ تطواني انطلاقا من بعض الكتب ككتاب نضار الأندلسي: «تطوان بين المغرب والأندلس» الجدير بالقراءة لما فيه من الفوائد.

قالت نضار الأندلسي: «مع هذه الهجرات المتدفقة نحو المغرب وقعت تأثيرات خلفتها الحضارة الأندلسية خصوصا في بعض المدن المغربية كتطوان…»، نقل الأندلسيون معهم
موروثاتهم الثقافية والحضارية، وحافظوا على أنساق نظمهم المعيشية ورسموا عاداتهم وتقاليدهم المميزة بعد أن زرعوا بذراتها، وأصبحت متجسدة في واقع متغير زمانا ومكانا، في أنساق متعددة، شملت ما يلي:

أ. التأثير اللغوي:

لازال سكان تطوان متأثرين باللغة الإسبانية إلى يومنا هذا رغم بعد الزمن، وتغير المكان، أما تقاليدهم وزيهم وأعرافهم لا تكاد تخلو مما هو عجمي قح، وكل ذلك ناجم عن مخالطة العجمة والإعجاب بها، لأنه «من خالط العجم أكثر، كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد، لأن الملكة إنما تحصل بالتعليم كما قلناه. وهذه ملكة ممتزجة من الملكة الأولى التي كانت للعرب ومن الملكة الثانية التي للعجم. فعلى مقدار ما يسمعونه من العجمة ويربون عليه يبتعدون عن الملكة الأولى. واعتبر ذلك في أمصار إفريقية والمغرب والأندلس والمشرق.

أما إفريقية والمغرب، فخالطت العرب فيها البرابرة من العجم لوفور عمرانها بهم، ولم يكد يخلو عنهم مصر ولا جيل، فغلبت العجمة فيها على اللسان العربي الذي كان لهم، وصارت لغة أخرى ممتزجة. والعجمة فيها أغلب لما ذكرناه، فهي عن اللسان الأول أبعد».

ولئن كانت هذه قاعدة أساسية في علم الاجتماع قررها ابن خلدون في مقدمته، فهي تشمل كل جنس ومصر حيثما وجد.

تأثرت المرأة التطوانية باللغة الإسبانية، أو قل بمزيج من اللغتين معا، سواء داخل بيتها عندما تسمي بعض مرافقه باللغة الإسبانية (كالكوزينا= المطبخ la cochina والميسا الطاولة messa والطيفور =المائدة taifor والدوشا الحمام docha وغيرها من المقتنيات أو خارجه، فالزائر لها يستغرب ويندهش عندما يسمع أحيانا لغة عجمية من لسان عربي فصيح، يصعب استيعابها لما فيها من الإمالة.

إذن تشبئت المرأة الأندلسية بلغتها في تطوان، فسارت المرأة التطوانية هي الأخرى تحاكيها في هذا المزيج اللغوي بعد الانصهار التام بين نساء المنطقة ولغاتهم الجبلية والعربية والريفية في مجتمع واحد، تشكل فيه نسيج اجتماعي لا تفاوت فيه من حيث اللغة داخل تطوان، إلا أنه سيحصل تفاوت في مجال آخر كما سنرى.

ب. التأثير الاجتماعي:

كل من زار تطوان إلا ولاحظ اختلافا في الزي والأعراف والتقاليد، لا تكاد تخلو مما هو عجمي قح، وكل ذلك ناجم عن مخالطة العجمة والإعجاب بها، لأنه «من خالط العجم أكثر، كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد، لأن الملكة إنما تحصل بالتعليم كما قلناه.

قال صاحب دولة الإسلام بالأندلس نقلا عن ابن الخطيب: «نساؤهم يتميزن بالجمال والسحر، واعتدال السمن، ونعومة الجسم، ورشاقة الحركة، ونبل الكلام، وحسن المحاورة، ولكن يندر الطول فيهن. وقد بلغن في التفنن في الزينة شأواً بعيداً، يسر فن في الأصباغ والعطور، والتزين بنفيس الحلي».

فمن كانت أوصافه من هذا القبيل، فهو في المحافل يتغنى بالجميل، ولو كان في جيبه من الدراهم سوى القليل، بعد فقدان الدار والخليل، والعيش الرغيد في الفردوس المفقود، فسارت عيشه عيش الأمير في بلد المهجر الساحر، ومن لم تسحره تطوان فهو في العشق قليل.

تعلق الأندلسيون بتطوان كتعلق الفلسطيني بأرضه، لا يزالون يتغنون بها حيث حلوا وارتحلوا، معتزين بثقافتها وتقاليدها وأعرافها وأنسابها وأعراقها، ناسبين لها التفوق في الحضارة على باقي المدن المغربية الأخرى، نهلوا من ثقافة الأندلس وتقاليدها ما هو بعيد عن ثقافة المغرب والعرب، كاحتفالهم بأعياد النصارى واليهود، مثل العنصرة والحكوز… وجعلوها أعيادا وطنية.

هذا يدل على أن المرأة التطوانية عاشت إلى جانب المرأة المسيحية واليهودية، كمثيلتها في الأندلس يحتفلن معا داخل بيت واحد، أو حي واحد، أو مدينة واحدة، وعمت هذه البلوى -مدن أخرى- التي كانت سبب هجرة بعض العلماء من بلاط السلاطين، كابن ميمون الغماري الذي: يروي ابن عسكر قصته حين كان جالسا يوما مع الأمير ابن راشد الأكبر، وإذا بيهودي أقبل وأخذ بيد الأمير المذكور وقبلها، «فقال القاضي ابن ميمون: إنا الله راجعون، نحن نقبل يدا تقبلها اليهود».

ونجد المرأة التطوانية في طليعة المتشبثين بأعراف الأندلسيين ولباسهم وطرق عيشهم، ناسبة ذلك لأهل تطوان، بعدما فقدت دارها في الضفة الأخرى، محافظة على قيمها الحضارية داخل وطن بديل يعزوه الخذلان في مناصرة إخوته في استرجاع فردوسهم المفقود، بعد محاولات باءت بالفشل.

عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي

الكاتب: كتاب جماعي

الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)

بريس تطوان

يتبع…


شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.