بليونش زمن العزفين والمرينيين (7) - بريس تطوان - أخبار تطوان

بليونش زمن العزفين والمرينيين (7)

بريس تطوان

وممن نزل عند أبي العباس الحسيني ضيفا في بليونش:

سلطان الأندلس الغني بالله ابن الأحمر (739هـ – 793هـ/ 1338م – 1390م):

وهو محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل المشهور بالغني بالله ابن الأحمر، ثامن ملوك بني نصر. ولابن الخطيب له ترجمة حافلة في الإحاطة.

ولي المر بعد والده سنة 755هـ/1354م. وكان له أخ اسمه إسماعيل، فجعله الغني بالله في بعض القصور من حمراء غرناطة احتفاظا به، إلى أن كان رمضان من سنة 760هـ/1358م، فخرج الغني بالله إلى بعض منتزهاته خارج القصبة، ولما كانت ليلة سبع وعشرين من رمضان المذكور أو ثمان وعشرين منه تسور جماعة من شيعة إسماعيل المحبوس عليه القصبة ليلا وأخرجوه من محبسه وأعلنوا بدعوته، ولم يرع الغني بالله إلا قرع الطبول بالقصبة في جوف الليل فاستكشف الخبر وتسمع، فعلم بما تم عليه من خلعه وتولية أخيه فركب فرسه وخاض الليل إلى وادي آش، فاستولى عليها وضبطها وبايعه أهلها على الموت. ثم عمد شيعة إسماعيل الثائر إلى الوزير ابن الخطيب فأدوعوه السجن بعد أن أغروا به ثائرهم واكتسحوا داره واصطلموا نعمته وأتلفوا موجوده، وكان شيئا يجل عن الحصر. واتصل ذلك كله بالسلطان أبي سالم المريني وكانت له مصافاة مه ابن الأحمر من لدن كان عنده بالأندلس، فكتب إلى إسماعيل الثائر وشيعته يأمرهم بتخلية طريق الغني بالله للقدوم عليه ويشفع في تسريح ابن الخطيب وتخلية سبيله، فأجابوا إلى ذلك وقد الغني بالله ابن الأحمر ووزيره ابن الخطيب على السلطان أبي سالم في السادس من محرم فاتح سنة 761هـ/1359م. فأجل السلطان أبو سالم قدومه وركب للقائه، ودخل به إلى مجلس ملكه وقد احتفل في ترتيبه وقد غص بالمشيخة والعلية. ووقف وزيره ابن الخطيب على قدميه فأنشد السلطان أبا سالم قصيدته الرائية يستصرخه لسلطانه ويستحثه لمظاهرته على أمره، واستعطف واسترحم بما أبكى الناس شفقة له ورحمة. ثم انفض المجلس وانصرف ابن الأحمر إلى منزله المعد له. وقد فرشت القصور وقربت له الجياد بالمراكب المذهبة وبعث إليه بالكسا الفاخرة ورتبت الجرايات له ولمواليه من العلوج وبطانته من الصنائع وانحفظ عليه رسم سلطانه في الراكب والراجل، ولم يفقد من ألقاب ملكه إلى الأداة أدبا مع السلطان، واستقر في جملته إلى أن لحق بعد بالأندلس وعاد له ملكه سنة 763هـ/1361م.

ولما قفل الغني بالله ابن الأحمر راجعا إلى بلده ومعه قاضي حضرته غرناطة أبو الحسن النباهي ووزيره أبو عبد الله بن الخطيب، استقبلهم أبو العباس الحسيني في بليونش وصنع لهم ضيافة ملوكية بالمنية، حيث القصر هناك وعنصر الماء المختص بها. ومن هناك ركب البحر ليلا وذلك في جمادى الآخر من عام 763هـ/1361م. وأكل من فضل هذه الضيافة معظم من كان بالقرية من قوي وضعيف ورفيع ووضيع.

والموضع الذي استضافه فيه هو المنية الملوكية التي ابتناها أبو العباس الحسيني لخواض أصحابه وأعيان زائريه، وهي تقع اليوم في غرسة السيد محمد بن حقة قرب المسجد العتيق، ولم يبق منها سوى البرج المعروف ببرج المنية. وبجنبه عنصر الماء المختص بها، وهو على عهده كما كان فيما مضى متدفقا منسابا.

أبو البركات البلفيقي (771هـ – 680هـ/1369 – 1281م):

محمد بن محمد بن الحاج البلفيقي من أهل المرية، “شيخ المحدثين والفقهاء والأدباء والصوفية والخطباء بالأندلس، وسيد أهل العلم بإطلاق والمتفنن في أساليب المعارف”.

نشأ والده محمد بن الحاج البلفيقي بسبتة وبها درس وحصل وانقطع إلى الله برباطات سبتة وجبالها وخصوصا بمينائها، ومن أخباره فيها ما حدث به الشيخ المعلم الثقة؛ أبو محمد قاسم الحصار وكان من الملازمين لوالد أب البركات المنقطعين إلى خدمته والسفر معه إلى البادية، قال: حدثني أهل وادي الزرجون وهو حش من أعمال سبتة، قالوا: انصرف السيد أبو عبد الله من هنا، فلما استقر في رأس العقبة المشرفة على الوادي، صاح عليه أهل القرى إذا كانوا قد رأوا أسد كبيرا جدا قد تعرض في الطريق، ما نجا قط من صادفه مثله، فلما سمع الصياح قال: ما هذا؟ فقيل له: أهل القرى يصيحون عليه خيفة من السبه، قال: فأعرض عنهم بيده، ورفع حاجبه كالمتكبر على ذلك وأسكتهم، وأخذ في الطريق حتى وصل إلى الأسد فأشار عليه بالقضيب وقال له: من ههنا من ههنا، اخرج عن الطريق. فخرج بإذن الله عن الطريق ولم يوجد هنالك بعد. وله تأليف سماه درر المناقب في فضائل الأولياء. توفى بسبتة في العشر الأواخر من شهر رمضان من سنة 694هـ/1264م، ودفن إثر صلاة العصر بجبانة الخروبة من منارتها بالقرب من قبر الشيخ ريحان الأسود العبد الصالح. وكان مولده بسبتة سنة 646هـ/1248م.

وأما ولده أبو البركات صاحب الترجمة فكانت بينه وبين أبي العباس مودة وعشرة ومؤاخاة، وكان أول أمره قد “أثار السكنى بسبتة على طريقة جده إبراهيم الأقرب إليه، إذا كان أيضا قد استوطنها. ثم عاد إلى الأندلس فأقام منها بمالقة”. ومن أخباره أنه لما أراد الانصراف عن سبتة قال له السيد الشريف أبو العباس رحمه الله تعالى: متى عزمت على الرحيل؟ فأنشد أبو البركات:

أما الرحيل فدون بعد غد   فمتى تقول: الدار تجمعنا؟

فأنشد الشريف رحمه الله تعالى:

لا مرحبا بغد ولا أهلا به   إن كان تفريق الأحبة في غد.

وهذه المراجعة الأدبية وإنشاد البت واختياره؛ تدل على ما للرجلين من أدب وظرف ونبل.

وحكي أن السيد أبا العباس الشريف المذكور ساير القاضي أبا البركات في بعض أسفاره زمن الشباب ببر الأندلس، فلما انتهينا إلى قرية بزليانة وأدركهما النصب واشتد عليهما حر الهجير، نزلا وأكلا على ظهره تحت شجرة مستظلا بظلها، ثم التفت إلى السيد أبي العباس وقال:

ماذا توقل فدتك النفس في حالي    يفنى زماني في حل وترحال

وأرتج عليه فقال لأبي العباس: أجز؛ فقال بديها:

كذا النفوس اللواتي العز يصحبها   لا ترتضي بمقام دون آمال

دعها تجوب الفيافي والقفار إلى    أن تبلغ السؤل أو تفنى بتجوال

الموت أهون من عيش لدى زمن   يعلي اللئيم ويدني الأشرف العالي.

وقد كان أبو البركات من خواص أصحاب أبي العباس وقد استضافه مرارا في بليونش، وكان أبو البركات أسن منه، وتوفي قبله سنة 771هـ/1369م).

الكتاب: سبتة وبليونش “دراسة في التاريخ والحضارة

للمؤلف: د. عدنان أجانة

منشورات تطاون أسمير/ الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية

(بريس تطوان)

يتبع


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.