ماذا يحدث عندما نأخذ 5 ملايير سنتيم ونرميها في البحر..!؟ أكيد أن هذا جنون. لكن الأمر يتعلق أكثر من 5 ملايير، ربما بعشرة أو أكثر، والتي لم يتم رميها في البحر بالتحديد، بل تم تبذيرها في عملية عبثية ومجنونة لا تزال إلى اليوم تثير حيرة سكان تطوان، وسكان بلدة بنقريش على الخصوص.
بدأت الحكاية قبل حوالي 10 سنوات حين تم هدم المستشفى القديم للأمراض التنفسية في بلدة بنقريش، بضواحي تطوان على الطريق الوطنية نحو شفشاون والحسيمة. وجاء هذا الهدم بسبب تقادم البناية التي بناها الإسبان زمن الحماية، بحيث كان ذلك المستشفى نموذجا حقيقيا للمستشفيات العصرية والمتطورة، والذي كان يستقبل مرضى الجهاز التنفسي من الشمال، بل ومن كل المغرب، بل من إسبانيا أيضا.
وفي سلسلة من الحلقات المقبلة، بالصور والفيديو، سنكتشف سر هذا المستشفى الذي تم تدميره في رمشة عين مقابل بناء مستشفى جديد، لكن المستشفى الجديد الذي كان سيقام على أنقاض المستشفى القديم لم ير النور حتى الآن، رغم مرور سنوات طويلة على بدء إنجازه، وأسوأ ما في الأمر أنه استنزف الكثير من التجهيزات من المال العام، ثم توقف العمل فيه فجأة، لأسباب غامضة.
اليوم تثير هذه البناية غير المكتملة حيرة حقيقية، فقد استنزفت ما يزيد عن 10 ملايير سنتيم حتى الآن، خصوصا وأن الأمر كان يتعلق ببناء واحد من أكثر المستشفيات تطورا وحداثة في المغرب كله، لكنه اليوم مجرد أطلال.
جولة سريعة بين ردهات هذا المستشفى غير المكتمل تصيب بالدوار. كان من الممكن أن يكون مستشفى بمعايير أوربية، والمنطقة التي بني فيها مثالية لمرضى الأمراض الصدرية والتنفسية، لكنه تحول في النهاية إلى ما يشبه مغارة علي بابا.. كل غرفه تحولت إلى ما يشبه الكهوف، وتجهيزاته الثمينة تقرضها الفئران. إنه المال العام الذي لا أحد يأبه به.
وتبدو المشكلة أكثر عمقا عند معرفة أن الحكومة الإسبانية ساهمت بنصيب وافر من ميزانية هذا المستشفى، وعند مدخل البناية يظهر اسم la junta de Andalucia كمساهم رئيسي في البناء، لكن حتى الإسبان الذين ساهموا بنسبة كبيرة في الميزانية لا يملكون جوابا حول توقف البناء. “إنها مسألة تهم الحكومة المغربية. نحن مثلكم لا نملك أي تفسير”.. يقول مصدر من la junta لموقع “almassaa.com”.
الناس في المنطقة يتداولون حكايات غريبة، يقولون إن لوبي الفساد هو من أوقف بناء المستشفى. لكن من هو لوبي الفساد..!؟ إنهم يقصدون أصحاب المقالع في المنطقة التي حولت حياة السكان إلى جحيم. مقالع متوحشة تهلك الحرث والنسل وتمارس وحشيتها أمام عيون الجميع. لقد دمرت الطبيعة والمياه الجوفية وأصابت الكثير من السكان بأمراض تنفسية مزمنة.
واضح إذن أن أصحاب المقالع لا يحبذون فكرة إنشاء مستشفى كبير للأمراض الصدرية والتنفسية في منطقة “كنزهم”، لأنه في حال افتتاح المستشفى فإنهم سيكونون ملزمين بوقف تدمير الطبيعة والبشر في المنطقة، لذلك، حسب السكان، فإن أصحاب المقالع يملكون نفوذا كبيرا في المنطقة، ويملكون المال، الكثير من المال، لذلك يستطيعون تحدي الدولة نفسها وإيقاف بناء مستشفى استهلك حتى الآن أزيد من 10 ملايير سنتيم. لو ثبت هذا الأمر فسيكون فضيحة غير مسبوقة.
هناك من يقول أيضا إن لوبي المستشفيات الخاصة هو من ضغط لوقف بناء مستشفى بنقريش للأمراض الصدرية. إنها نظرية مؤامرة صعبة على الهضم، لكن أصحابها يضيفون بأن مستشفى عمومي وحديث وبمواصفات عالمية، وأكثر من هذا مجاني أو شبه مجاني، يثير بالتأكيد مخاوف وغضب لوبيات المتاجرة بصحة المغاربة. هذه نظرية تبدو منطقية أيضا.
موقع “المساء اليوم almassaa.com اتصل ببرلمانيين من المنطقة سبق أن قدما سؤالين شفويين لوزير الصحة، خالد أيت الطالب، حول موضوع المستشفى. الأول محمد البكوري عن حزب التجمع الوطني للأحرار، والثاني حميد الدراق عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ومنذ عدة أسابيع تلقينا وعودا منهما بالحصول على نص الأسئلة وأجوبة وزير الصحة. وإلى حدود اليوم، لم نحصل على أية معلومة من البرلمانيين.
إنه لغز.. أو أريد له أن يكون لغزا، وهو أيضا واحد من أبشع مظاهر تبذير المال العام في زمن ما يسمى الشفافية والمحاسبة وتقارير المجلس الأعلى للحسابات وغير ذلك.