الهوية تستغيث! - بريس تطوان - أخبار تطوان

الهوية تستغيث!

كعصفور يصدر موسيقاه لمحادثة أبناء فصيلته، يختار كل كائن من الكائنات لغته للتواصل مع المحيط من حوله.

وبين كل الكائنات التي تقتلع من جنبات الحياة قوت يومها، تدرج الإنسان في تطوير لغته من إيماءات وإشارات إلى كلمات وعبارات وجمل، حتى أصبحت على ماهي عليه اليوم.

لكن باختلاف الثقافات والمواقع الجغرافية، والحضارات المتعاقبة عليها والمراحل التاريخية التي مرت منها، أصبح لكل مجمتع لغته المعتمدة والرسمية، والتي تم تطويرها، قصد تسهيل التواصل بين الأفراد وتوحيد الألسنة… بطريقة ما.

كل هذا وذاك يعد عاديا وطبيعيا، ولا يختلف عليه اثنان، إلا أن بيت القصيد والنقطة التي تستدعي التوقف عنها، هي حينما نصطدم بحالات تخرج عن الإطار الذي نحته المجتمع المنتمية إليه، وتختار التواصل بلغات أخرى، تعود لمجتمعات أخرى، لأهداف تظل مجهولة… الشيء الذي يعرض لغتها الأصلية والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من هويتها، للخطر الشديد المتمثل في الإضمحلال أو الإندثار في أحيان كثيرة.

جميل جدا أن يتعلم الفرد منا لغات أخرى، غير لغته الأم، بل هو ضروري للغاية لما يفرضه العصر من انفتاح على مختلف الثقافات، واستكشاف لخصوصياتها.. وقد تعددت الأقوال في هذا الباب، والتي تلح على تعلم العديد من اللغات، “أولئك الذين يعرفون لغات عديدة يعيشون العديد من الحيوات بقدر اللغات التي يعرفونها”، “حدود لغتي هي حدود عالمي”…

إلا أن الوضع يتحول من الممتع والطبيعي، إلا المقلق والمقلق جدا، حينما ينسى الفرد لغته الأصلية، ويهيم في حروف أجنبية، بل يعتمدها كلغة أساسية في حياته اليومية وسط مجتمعه وبين أفراد يشبهونه ويتقاسمون وإياه ذات الهوية… مما يهددها بشكل كبير ويحكم عليها بالموت السريري…

وكم هو مؤلم أن تستشعر لغتنا الأم، العربية، الإقصاء والتهميش من لدن أبناءها، وتجد نفسها خارج إهتمام فلذات كبدها، بل الأخيرة في قوائم الألسنة التي ينطقون بها ويفتخرون.

إن اللغة الأم، هي معقل التقدم ومنبع الإزدهار، ولعل قصص الأمم المتقدمة والمتطورة خير مثال على ذلك، إذ تشبثت كلها بلغتها الأصلية وحرصت على تلقينها لأبناءها بوعي شديد واهتمام كبير، الشيء الذي جعل باقي العالم ينجذب إليها ويتعلمها قصد للاقتراب منها والاندماج في عالمها…

وكم يحز في نفسي، أن أرى شباب اليوم، يتباهون بإتقانهم للفرنسية، الإسبانية، أو الإنجليزية، دون تمكنهم من إستيعاب عبارات عربية، أو صياغتها بشكل سليم، باعتبارها لغة متجاوزة وقديمة ولا تنفع لأي غرض… في جهل كلي بأن النظر من هذه الزاوية، تحديدا، من شأنه إضاعة هويتنا والحكم علينا بالتخلف الأبدي.. وهذا ما بات يظهر جليا في مجتمعنا؛
مواطنون يحملون الجنسية المغربية، ازدادوا بالمغرب، ترعرعوا فيه، ويعيشون به، يفتقدون للهوية العربية المغربية، ويتبنون أفكار، لغة، مبادئ، أسلوب حياة، اهتمامات لا علاقة لها بالوسط الذي يزاولون حياتهم بداخله…

نحن اليوم، وإن استمر الوضع على ما هو عليه، بصدد فقدان هويتنا، ومن أضاع هويته فقد أضاع تاريخه، حاضره ومستقبله..!


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.