الهجرة والاتجار بالبشر: بين الإطار القانوني وتقنيات البحث الأمني
يشكل موضوع الهجرة والاتجار بالبشر أحد أبرز التحديات التي تتقاطع فيها الأبعاد الأمنية والحقوقية والإنسانية، في سياق دولي متسارع التحول، تتزايد فيه ظواهر الهجرة غير الشرعية، وما يرتبط بها من أنشطة إجرامية عابرة للحدود، وعلى رأسها جريمة الاتجار بالبشر. ويعد هذا الملف من القضايا المعقدة التي تستوجب توازنا دقيقا بين حماية الأمن العام واحترام حقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد، أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة بمراكش سنة 2018، على مركزية هذا التوازن، حين قال: “إن ميثاق مراكش ليس غاية في حد ذاته، بل هو نقطة انطلاق حقيقية نحو تغيير حقيقي في كيفية تناول مسألة الهجرة”.
أولا: الإطار القانوني لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية
على المستوى الدستوري، كرس دستور المملكة المغربية لسنة 2011 منظومة متكاملة لحماية حقوق الإنسان، حيث ينص الفصل 23 على حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فيما يضمن الفصل 29 حرية التنقل. وانسجاما مع التزاماتها الدولية، صادقت المملكة على عدد من الاتفاقيات الهامة، من أبرزها:
- بروتوكول “باليرمو” المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
- اتفاقية مناهضة التعذيب.
- اتفاقية حقوق الطفل، وبروتوكولها الاختياري المتعلق ببيع الأطفال واستغلالهم جنسيا.
أما على صعيد التشريع الوطني، فقد أصدر المغرب القانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يشكل مرجعا شاملا لتجريم هذا الفعل، ويوفر آليات للحماية والمساعدة والتعويض لفائدة الضحايا، مع إيلاء عناية خاصة للفئات الهشة كالنساء، والأطفال، والمهاجرين في وضعية غير قانونية.
ثانيا: تقنيات البحث الجنائي في قضايا الاتجار بالبشر
إن التعامل مع قضايا الهجرة والاتجار بالبشر يفرض على الأجهزة الأمنية تبني مقاربة مزدوجة: نجاعة في التصدي للجريمة، واحترام صارم للحقوق الأساسية للضحايا. ويترجم ذلك ميدانيا من خلال تقنيات بحث متقدمة، نذكر من بينها:
- الرصد والتحري القبلي لاستباق نشاط الشبكات الإجرامية.
- التنسيق الدولي الأمني، خصوصا مع بلدان المصدر والعبور والاستقبال.
- فتح الأبحاث التمهيدية وفق المقتضيات القانونية للمسطرة الجنائية.
- اعتماد وسائل استماع مرنة وإنسانية تراعي الحالة النفسية والاجتماعية للضحايا.
- اللجوء إلى آليات البحث الخاصة بإذن قضائي، كالمراقبة الإلكترونية والتنصت والتسليم المراقب.
وبناء عليه، قامت المديرية العامة للأمن الوطني بتعزيز قدرات مواردها البشرية في هذا المجال، من خلال تنظيم دورات تكوينية متخصصة بشراكة مع هيئات وطنية ودولية، واعتماد مقاربة وقائية قائمة على التحسيس، والتعاون الوثيق مع فعاليات المجتمع المدني والمنظمات ذات الصلة.
ثالثا: حماية الضحايا بين القانون والممارسة
إن معالجة قضايا الاتجار بالبشر، خاصة ما يتصل منها بالأطفال والنساء ضحايا الاستغلال الجنسي أو العبودية الحديثة، تتطلب تدخلا حازما -في إطار القانون- ووفق ما تنص عليه الممارسات الفضلى الدولية، التي تدعو إلى عدم تجريم الضحايا، بل معاملتهم كأشخاص يحتاجون إلى الحماية والدعم، وليس كفاعلين في الجريمة.
ويتمثل التحدي الأساسي في كيفية تفكيك الشبكات الإجرامية دون المساس بحقوق الضحايا أو انتهاك حرمتهم الجسدية والمعنوية، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال ترسيخ مبادئ التحقيق النزيه، والمحاكمة العادلة، والمعاملة الإنسانية، والاعتماد على أدلة تقنية وقانونية دامغة، بدلا من الاقتصار على الاعترافات.
خاتمة: نحو سياسة أمنية عادلة وإنسانية
ختاما، فإن قضايا الهجرة والاتجار بالبشر ليست فقط ملفات أمنية، بل إشكاليات مجتمعية عميقة، تستوجب تعاونا متعدد الأطراف بين الفاعلين الأمنيين والقضائيين، والمؤسسات الحكومية، والمجتمع المدني، من أجل إرساء سياسة أمنية قائمة على الوقاية، والعدالة، والإنصاف، في انسجام تام مع روح دستور 2011، والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.