يستغرق موضوع النوم، ولاسيما النوم العميق، وقتا طويلا من تفكيرنا، وقلّما وجد موضوع مثله يسترعي اهتمام الإنسان به وطلب النصح فيه. وليس أدل على ذلك من أن أول سؤال يطرحه أطباء النفس وأخصائيو الأمراض المختلفة على مرضاهم: كيف تنام ؟… وهل تنام بعمق … وهل تصاب بأرق ؟
تنصب الوصفات على الذين يعانون الأرق بمختلف الأشكال، والحقيقة أن الأرق يكاد يتحول إلى مرض مزعج ومقلق للغاية. فإذا أصاب الإنسان في ليلة واحدة سبب له تبلدا في الإدراك وضعفا في الذاكرة واضطرابات في القرارات التي قد يتخذها. وأذكر في هذه المناسبة ما قاله في هذا الصدد رئيس وزراء بريطانيا السابق السير هارولد ويلسون عندما سأله أحد الصحافيين : ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر في رئيس الوزراء الناجح في بريطانيا ؟
أجاب ويلسون : إن كل رئيس في أي بلد كان يجب أن يتوفر لديه أمران كي يحالفه النجاح.
فأولا : يجب أن تكون له نظرة مستقبلية لكل حدث أو كل موضوع، أي أن يكون لديه شعور بتوقع الحدث قبل أن يقع. وثانيا: يجب أن يتمتع بنوم عميق هادئ كي تأتى قراراته هادئة وعميقة وناضجة.
ومما لا شك فيه أن كل قرار مهزوز أو رأي مضطرب أو فكر قلق مصدره قلة النوم، أي الأرق، الذي يمكن أن ينغص حياة الإنسان ويفسد عليه ذهنيته وتفكيره. ويقول الدكتور وليم ديمنت الأخصائي في علم النوم وأستاذ الطب النفسي في جامعة ستانفورد: إن هناك أنواعا أولية من اضطرابات النوم لا يمكن ردها إلى أي أسباب جسدية أو نفسية محددة، ولكنها تؤدي إلى الأرق. وهي : ارتجاف السيقان الذي يحدث على نحو منتظم ويوقظ النائم، وتوقف التنفس المتكرر الذي يقطع النعاس، واضطراب الإيقاعات البيولوجية الطبيعية كالذي يحدث أثناء السفر الطويل بالطائرات النفاثة.
ويتفق معظم الباحثين في أمر النوم على أن الأرق ليس مرضا في ذاته لكنه علامة على وجود سبب جسدي أو سلوكي يحول دون سير الجهاز البشري في مساره الطبيعي. وقد تتراوح هذه الأسباب بين التشويش في إنتاج كيميائيات “النوم” الطبيعية الذي يحدث في المخ وزيادة تعاطي الكافين، كما قد يكون السبب الفراش غير الملائم.
وللتغلب على الأرق يقول أحد الأساتذة: إذا كنت متعبا إلى درجة كافية فإنك ستنام حتما. ولذلك اجعل لنفسك توقيتا ليليا منتظما فتأوي إلى فراشك في الموعد نفسه، إذ أن العادة تلعب دورا مهما في جلب النوم. وهو يروي بهذه المناسبة أن رجلا اعتاد أن يمضي نصف ساعة قبل أن يأوي إلى فراشه متجولا في أرجاء منزله يتفقد الأبواب والنوافذ بابا بابا ونافذة نافذة.فقالت له زوجته لماذا تضيع وقتك في هذا العمل ؟ اذهب إلى فراشك ونم. فترك الرجل هذه العادة وتوجه إلى فراشه لينام. وكانت النتيجة أنه لم يستطع أن ينام إذ أصابه الأرق. واكتشف أن نصف الساعة الذي كان يقضيه في تفقد الأبواب والنوافذ كان يتيح له نوعا من ” الاسترخاء ” إلى أن يحين موعد النوم.
ويعلق طبيب ألماني على هذا الموضوع قائلا: أن النوم والثروة الصحية لن تلقى من اهتمامنا وتقديرنا ما لم يكن استمتاعنا متقطعا وعلى فترات حتى نستطيع أن نتحقق من حقيقة الدور الذي نمارسه في حياتنا. وقديما قيل : الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى …
والله الموفق/26/10/2008