النملة – هذه الحشرة الصغيرة – حيرت العقول بتصرفاتها الغريبة، وفيما يلي نتحدث عن سلوك هذه الحشرة الذي يحير الألباب وجهود العلماء لتفهم هذا السلوك.
كيف يمكن أن لا تضل النملة طريقها بعد أن تترك عشها ؟ كيف توجه النملة نفسها إلى المكان الذي تقصده ؟ لا يمكن للنملة أن تسترشد بالخرائط أو تقرأ الإشارات الموجودة في الطرق التي يهتدي بها السائرون من بني الإنسان لكن أنواعا كثيرة من النمل تهتدي بالشمس أو بالماعات كيماوية. ومعظم الأبحاث التي أجريت لمعرفة الطريقة التي تهتدي بها النملة إلى طريقها أجريت على أنواع متعددة من النمل ولكن بيرت هولدوبلر المحاضر بجامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأمريكية شغف بدراسة أنواع بدائية من النمل الذي يعش في الغابات الإفريقية حيث تتلبد السماء بالغيوم في معظم الأحيان وحيث تتعذر الرؤية بسبب كثافة الأشجار التي تحجب الضوء. ويتلمس نمل الغابات الإفريقية رغم ذلك طريقه في الغابات دون أن يجد في ذلك أية صعوبة. ويوجد هذا النوع من النمل في جميع أنحاء إفريقيا ويعيش في المناطق المغطاة بالغابات. ولأعشاش هذا النوع من النمل مداخل متعددة.
والعجيب في أمره أنه يستخدم دائما نفس المدخل في كل مرة. وقد وضح من الدراسات التي أجريت على هذا النوع من النمل أنه يعتمد على الماعات رؤويه في توجيه مسيره. وقد تأكد ذلك لبيرت هولدوبلر نتيجة للتجربة التالية : نقل بيرت هولدوبلر بعض النمل لمسافة عشرين مترا بعيدا عن مساره الأصلي وكانت السماء صافية وقد فعل ذلك بينما كان النمل يعود إلى عشه من حملة للبحث عن الطعام، ولم يتمكن النمل من توجيه نفسه إلى عشه، ولكن عندما أعاده بيرت هولدوبلر إلى مساره الأصلي عاد إلى عشه دون أية صعوبة. وقد قضى الباحث على إمكانية عودة النمل إلى عشه باتباع أثر كيماوي تركه في طريق سيره من عشه نحو مواقع الطعام وذلك بأن كحت قبل عودة النمل نصف سنتيمتر من سطح تربة الطريق الذي سار فيه عند خروجه من عشه ومع ذلك فقد وجد النمل طريقه وأقفل راجعا إلى عشه ولما حجب عن النمل جزءا من المنظر حوله وجد النمل طريقه رغم ذلك. ولم يختلط الأمر على النمل إلا عندما حجب عنه المنظر الذي فوقه. وتوحي هذه النتيجة بأن النمل يعتمد على الجزء الأعلى من الغابة وسمح للنمل بأن يخرج من عشه تحت هذه الظلة ثم حول موقع الظلة سار النمل في طريق عودته إلى عشه على حسب الموقع الجديد للظلة. ويبدو إذا أن النمل يأخذ صورة للمنظر المحيط به والنظر فوقه عندما يغادر عشه ويختزن هذه الصورة في مخيلته ويعود إلى عشه على أساسها.
والله الموفق: 12/08/2008