المصطلح النقدي الغربي... وتعطيل الإبداع - بريس تطوان - أخبار تطوان

المصطلح النقدي الغربي… وتعطيل الإبداع

يلجأ نقادنا المتخصصون وغير المتخصصين في الأدب والفن العربيين للاحتماء بالمصطلحات الغربية محاولين – عن وعي أو غير وعي – إخضاع أعمالنا النابعة من واقعنا العربي الصرف لسلطة تلك القوانين التي وضعها أناس يختلفون عنا واقعا… ورؤية .. وتفكيرا… وحضارة.. هم وضعوها كنتاج لدراسات طويلة ومتواصلة.

تتكيف حسب المعطيات والمكونات الأساسية لظروفهم وحركية تطور مجتمعهم الذي يختلف في كل شيء عن مجتمعنا العربي الذي له ميزته، وتصوراته، وطموحاته، وحضارته التي كانت في يوم من الأيام رائدة الحضارات، بل إما لمختلف الحضارات. ولا أدل على ذلك من أن كل الحضارات التي عايشت الحضارة العربية ماتت، ولم تبق إلا الحضارة العربية تزداد رسوخا على مر التاريخ بل تتأكد استمراريتها لبنائها على معطيات إنسانية لا تدع مجالا لتغلب أحد فرعي المعادلة على الآخر وهما الروح والمادة. وأول شيء نستخلصه من هذه العملية – أي محاولة إخضاع أعمالنا لسلطة القوانين الأجنبية عنا – هو العمل على إذلال النص الأدبي أو العمل الفني. يحدث ذلك بمجرد وضعه تحت تلك الحماية كتعبير من هؤلاء عن أنه قاصر يحتاج إلى من يؤويه ويحنو عليه. وبالتالي يعدل من تصرفاته وتحركاته. والواقع أن النص أو الأثر الفني عموما لم يكن في يوم ما قاصرا. بل إن نقادنا هم القاصرون على إيجاد (خلق) المأوى الذي يضم مختلف الأجساد الأدبية أو الإبداعية عموما. وهم قاصرون أيضا عن بعث الهياكل التي تتسع لمختلف المبتكرات وتتطور حجما ومصطلحا بتطور عملية الإبداع عندنا. إننا نرى أناسا قانعين يعيشون على ما يجود به الآخرون وبالتالي يحنطون حركة الإبداع فيهم وفي من ينقدون إن لم يخضع لتلك العقوبة المصطلح الأجنبي. فمن منا سمع – حاضرا – بناقد حاول خلق هيكل يمكن أن يؤوي الإبداعات العربية تلك الإضافات الواعية خصوصا.

وعمل أولئك النقاد ذاك. إنما هو إلزام للمبدع أو اعتقاله داخل تلك القوالب التي لم تصنع لعمله أصلا. وبالتالي تحويله إلى تابع لا يملك من مقومات وجوده غير ما يمنحه مستخدم ذلك المصطلح من اعتراف له بتبعيته إياه، وللفئة التي أوجدته فيصبح – عمليا – ببغاء يعيد كلام الآخرين ويسجد لمخترعات أفكارهم. والنتيجة يصبح مقلدا ماسخا لإنتاجهم وممسوخا به. وكثيرا ما ينقل كاتب ناقد أفكارا أو مصطلحات غريبة عن واقعنا فتصطدم بالمجموعة المراد إخضاعها إليها فتكون المواجهة عنيفة. ولا يتورع صاحبنا في وصف تلك المجموعة بالتخلف والرجعية وحتى الجهل وغيرها من اللافتات المجانية. وحين يطلب منا إقناعنا بذلك يبدأ في اللف والدوران والاستنجاد بكلمات تزيد حيرتنا اتساعا وبعد الغموض يحل الإبهام. ولا نملك إلا أن نسلم بجهلنا لتلك الرموز والطلاسم الغريبة القادمة من حيث ندري ولا ندري. وفرضا عليك أن تعمل على ضوء تلك التعليمات التي لم تستطع استيعابها أو كانت تعيش خارج العصر وربما مازلت في عصر البداوة.

وإذا ما قدر لعمل أن يرفض ألوان التزييف الفكري أو الامتثال لتلك القوالب والتزم بما تمليه عليه ظروف مجتمعه وواقعه وتراثه الحضاري المكون لأصالته وشخصيته كنتاج منطقي لتطور مجتمعه بكل إيجابياته وسلبياته فإنه يعد – في رأي هؤلاء النقاد الببغاوات – عملا ناقصا وغير موضوعي وربما هامشيا أيضا. والسبب لأنه لم يتكيف ولم يتقولب حسبما أعد له الآخرون. إنها ظاهرة رديئة… وأردأ منها تشبثنا بها وانتصارنا لها رغم عدم اقتناعنا بها غالبا. وتبقى في محصلتها النهائية استنقاصا لمواهبنا ومقدراتنا وتعطيلا لحركة الإبداع عندنا. واحتقارا لإمكاناتنا العقلية والفكرية ونفيا لتاريخنا القديم والحديث، والتسليم بحق السيادة علينا لغيرنا، وأيضا يعد خنوعا ورضى وعجزا عن الخلق والإبداع والاكتفاء بالموجود الوارد علينا من الآخرين. وهذه إحدى حالات الانبتات الحضاري التي يتوجب علينا اغتيالها بقطع الهواء عليها حتى تموت.

هذه الأوضاع بما فيها من سخرية وتهكم على واقعنا العربي أوجدت في تصوري الملاحظات التالية كرد على المغالطة التي دامت زمنا ليس بالقصير كي تقتل فينا الحياة، ونحن شاخصون :

-لابد من استخراج المصطلح النقدي من الأعمال الإبداعية العربية وتجنب إخضاعها للمصطلحات الغربية.

– العمل على اكتشاف الناقد الأصيل، والذي يملك الشجاعة والإرادة، والمعرفة، والموضوعية لحمل هذه الرسالة والتبشير بها باعتبارها استفاقة دائمة ومرحلة في عملية التأصيل أمام الهجمات الوحشية التي تقودها مختلف أجهزة التبشير بالفكر الغربي المقدس.

– اعتبار محاولة تعميم هذه الظاهرة، إخضاع أعمالنا للمصطلح النقدي الغربي، خطأ بل جريمة في حق الإنسان العربي، والإسراع بالتخلص منها. أو ذنبا لابد من مسحه لأن نتيجته :

أولا  : حرمان المبدع العربي من ممارسة حقه في عملية الإبداع المشروعة.

ثانيا : تعطيل حركة التطور الإيجابي عموما.

أما الملاحظة الأخيرة في هذا الخصوص فإنها تتمثل في أنه يحسن بنا – مبدئيا – التعامل مع العمل الإبداعي بمعزل عن كل ما من شأنه أن يعرقل عملية التحاور معه تجاوزا للمحاكاة الفردية المسيطرة حاليا في انتظار ما ستخرج به علينا الطليعة العربية من مصطلحات نقدية تنزل في أطرها العربية الصميمة كل إبداعاتنا الحاضرة والمستقبلية.

والله الموفق/ 24/10/2008


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.