المراكز الإسلامية في أوروبا أحقُّ أن تكون معاقل نورٍ، يُلتَمس منها سبيل الهداية، لا أن تضحى مرتعاً للجهل، وساحةً للخصومة، تحكمها أهواء القوم، فيطغى القاصر ويتصدَّر الجاهل.
وهل تستقيم راحلةٌ يقودها عاثرٌ لا يُحسن إمساك الزمام، ولا يعرف من الطريق إلا ما تشابه عليه؟
إن أمر هذه المراكز قد وقع في أيدي قومٍ، لهم من التسيير حظٌّ كحظِّ العاصفة من الثبات. يرفعون لواءً لا يُجيدون حمله، ويدَّعون الحكمةَ وهي منهم على مسافة المشرقين. لقد أصابهم من داء الجهل نصيبٌ عظيم، وأحاط بهم من قصر النظر ما جعلهم يُضيِّعون الغاية، ويفرطون في الوسيلة.
ولقد قال الأوائل:
إذا لم تكنْ للعيرِ حادٍ بصيرُها ** تَخَبَّطَتْ بينَ المنكبينِ الركائبُ
فأصبحت هذه المراكز ضائعةً بين عجز المسيرين وتشابك الطموحات، وكأنما يجري بها سيلٌ لا يدري مصبه.
أما الداهية الدهياء، فهي أن هؤلاء، مع فقرهم في التدبير وبُعدهم عن الأهلية، قد شبكوا أيديهم على المقاعد، وأمسكوا بتلابيب المناصب، وكأنما هي ميراثٌ من الآباء والأجداد، لا أمانةٌ تُسأل يوم القيامة.
إذا تولى الأمرَ غيرُ كُفْئٍ ضاعَ ** وإنْ تقادمَ عهدُه أتى الهلاكُ
ما أكثرَ ما نرى من ضياعٍ، إذ تُقصى العقول النيّرة، وتُبعد السواعد العاملة، فلا مكان بين هؤلاء إلا لمن يسبّح بحمدهم، أو يتبع خُطاهم في عَمَهٍ وضياع.
أما آن لأصحاب هذه المراكز أن يدركوا أن القيادة لا تكون لمن لا يُحسن التدبير، وأن إدارة الناس علمٌ، ومعرفةٌ، وفطنة؟
فكيف تنفرج أمورٌ يديرها جاهل، ويغلق أبوابها من لا يرى أبعد من ظلال يومه؟
إن السبيل إلى إصلاح هذه المراكز، أن يُنَحَّى عنها كلُّ متشبثٍ بمقعده دون كفاءة، وأن تُقاد بمن يملك من العلم والإخلاص ما يجمع به بين الدين وحسن التدبير. فإنما الأمانة وُضعت لتُحمل بحقٍّ، لا ليُساوم بها أهلُ الغفلة والطمع.
قال شاعرهم:
إذا ابتغيتَ نجاحاً فاطلبنْ رجلاً ** لهُ من العلمِ والأنوارِ ما اجتمعَا
نرجو من الله أن يُهيئ لهذه المراكز قادةً صالحين، يُقيمون أمرها على بصيرةٍ، ويسوسون شؤونها بما يُرضي الله، فتعود مناراتٍ يُستضاء بها في ظلمات هذا الزمن.
والله المستعان على ما يصفون.
الأستاذ محمد البردعي/خريج جامعة بادوفا الدولية بإيطاليا، وباحث في علم مقارنة الأديان.