المرأة التطوانية والنهوض بالعمل التطوعي - بريس تطوان - أخبار تطوان

المرأة التطوانية والنهوض بالعمل التطوعي

إن السعي وبذل الجهد في خدمة المجتمع وقضاء حوائج الناس، يحقق راحة نفسية وسعادة معنوية كبيرة، ففي أعماق الإنسان ميول ونوازع خيّرة، وضمير أخلاقي حساس؛ ومن ثم إذا أنجز الإنسان أي خدمة تطوعية، أنقذ بها محتاجا أو أعان ضعيفا، أو ساعد مكلوما، أو علم جاهلا، فإن ذلك يسعد ضميره، ويوقظ فطرته، وينعش أحاسيسه النفسية، ويشعره بالكثير من السعادة واللذة الروحية.

والإنسان المؤمن يدفعه إلى النهوض بالعمل التطوعي لخدمة مجتمعه وأمته، تطلعه للأجر والثواب عند الله تعالى أولا، ثم الإسهام في البناء الحضاري لمجتمعه، والسير نحو آفاق واسعة في العمران والتنمية وتفعيل الطاقات واستثمارها على النحو الأمثل، للوصول إلى إحراز مكانة حضارية لائقة بتاريخنا الذي ننتمي إليه ، وبرسالتنا التي نحملها….

والمرأة التطوانية كانت منذ القديم مثالا للسيدة المسلمة المتشبثة بدينها وبما ورثته من التقاليد التي فرضت عليها أن تعيش داخل بوثقة محكمة ذات إطار محدود وضيق إلى حد كبير، إلا أنها بالرغم من ذلك قامت بأدوار كبيرة ورائدة في عدة مجالات وعدة جبهات، لعل أبرزها تعزيز التكافل بين أفراد المجتمع، والسعي الحثيث في النهوض بالعمل التطوعي، وإحداث طفرة تنموية استكملت بها الجهود الفردية والمؤسساتية في هذا الإطار، وذلك نظرا لما قدمته وما زالت تقدمه للعمل التطوعي والخيري من جهود تذكر فتشكر من خلال المساعدات والخدمات والرعاية الاجتماعية والتربوية للفئات الهشة، وطلاب العلم والمرضى… الخ.

لقد كان للمرأة التطوانية دوارا عظيما، ووظيفة جليلة في ممارسة العمل التطوعي والنهوض بالعمل الخيري بمختلف صوره وأشكاله، وذلك لأن المرأة عموما والمرأة التطوانية بالخصوص تمتاز بقدرات ،وإمكانات وسمات شخصية ونفسية وعاطفية، وهو ما يمكن عده رافدا من روافد النهوض بالعمل التطوعي لدا المرأة التطوانية، تجلى ذلك

من خلال استثمار قدراتها العاطفية، ورحمتها الفطرية، وسرعة استجابتها للعمل التطوعي والخيري، فكانت مشاركاتها الفعالة وإسهاماتها في النهوض بالعمل التطوعي وأعمال البر والإحسان جليلة وعظيمة خُلدت في ذاكرة حاضرة تطوان، وهذه الإسهامات شملت العديد من المجالات الاجتماعية التي هي من عمق المجتمع ومكون من مكونات النهوض الحضاري، نوردها باختصار وفق ما يلي:

أولا: في مجال العلم والمعرفة

لقد كانت بنات العائلات التطوانية كما تقول .دة حسناء محمد داود: يجتمعن عند إحدى الفقهيات المعروفات ، بدارها، حيث تفرش لهمت حصيرا في «بيت من بيوت الطابق السفلي، وكذلك في وسط الدار»، وعندما يصلن في الساعة الثامنة صباحا، يجلسن على تلك الحصيرة أو على مضربات صغيرة يحضرنها معهن من بيوتهن ثم يأخذن اللوح، فالكبيرات منهن العارفات للحروف، يكتبن عليه بعض الآيات القرآنية التي تمليها علهن الفقهية، ثم تصححها لهن، ثم يحفظنها، وبعد الحفظ يمحونها على مجمر النار.

• ولعل من أبرز الفقهيات التي كن يقدمن هذا العمل التطوعي الذي يخدم النهوض الحضاري بحاضرة تطوان نجد الفقهية العالمة للاغيلانة آمنة بنت محمد غيلان الأندلسية التطوانية .

يقول عنها مؤرخ تطوان المرحوم العلامة الموسوعي محمد داود: «الفقهية الصالحة للاغيلانة: هي الفقهية العالمة الصالحة: السيدة آمنة بنت الفقيه العالم الصالح: سيدي محمد غيلان. وقد ترجم لها أستاذنا الرهوني، وذكر أنها كانت من الصالحات القانتات، وقد اعتنى بها والدها وعلمها القرآن والعربية والفقه والحديث، فكانت عالمة نساء البلد وصالحتهن، وكانت تعلمهن أمور دينهن، وتفتيهن في شؤونهن، وتعبد ربها متبتلة منقطعة عن الأزواج، وعلاقات الرجال، إلى أن توفيت رحمها الله ودفنت ببيت من دارها بحومة المطيمر، وقد جعل لذلك البيت باب لجهة الشارع، وقبرها مشهور يزار، ثم ذكر أستاذنا الرهوني أنها كتبت – بيدها – «سيرة الكلاعي كلها، وأن وفاتها كانت سنة 1189، رحمها الله».

فكانت هذه السيدة البتول التي وهبة حياتها الله وللعلم وللتطوع في سبيل تعليم بني جلدتها، في وقت كان الحجر والحصار على النساء في العالم الإسلامي السمة البارزة حتى خلت منهن مدارس التعلم وحلق العلم، فرحمها الله رحمها رحمة واسعة وجعل ما أسهمت به من عمل تطوعي في سبيل ازدهار تطوان وتنميتها.

• ونجد كذلك المعلمة الفذة فخر نساء التعليم قامة سامقة أسهمت بكل ثقلها في مسلسل النهوض الحضاري بمدينة تطوان خصوصا في حقل التربية والتعليم، إنها المربية الفاضلة، والمديرة القديرة، الأستاذة فريدة اللوه، سليلة الريف، رمز المرأة الحرة في عهد ما بعد الاستقلال، كانت تدرك بعيون عشقها للحرف أن تطوان في حاجة ماسة لنهضة ثقافية تغير المفاهيم الخاطئة في مجتمع يؤمن أن الفتاة سرها في دارها»، تقلدت مناصب إدارية تربوية مكنتها من جعل المناهج التعليمية تساير تطورات الفكر وروح العصر، على الأقل في محيطها الذي كانت تشتغل فيه، يوم أن كانت مديرة لمؤسسة سيدي علي بركة بتطوان.

إن الأستاذة التطوانية فريدة اللوه لم تخلع وزرتها البيضاء بعد التقاعد، بل شمرت على سواعد الجد وسعت بحب وعطف، إلى التطوع في تعليم من فاتتهم مواقيت الدرس، ومن تخلى عنهم قطار التعليم النظامي. فكانت خير من حملت مشعل «محو الأمية» بحاضرة تطوان، بل إن نور إشعاعها الخيري وإسهامها التطوعي لم يقتصر على العوالم التربوية، وإنما تخطاه إلى التعريج على مفاهيم أخرى تهم المرأة التطوانية والمجتمع، تنويرا دينيا مبصرا، وآخذا بيد نساء تطوان نحو الشهود الحضاري، فكانت دروسها الرمضانية المكثفة نبراسا منيرا، ووساما حضاريا مرتبته التفاني والإيثار، فتكون بذلك قد أسهمت بحب وتفان في ازدهار تطوان، وفي المقابل خلدتها ذاكرة تطاون.

• كما نجد ونحن نجوب ذاكرة تطوان الغنية سيدة من السيدات الخالدات في ذاكرة العمل التطوعي بتطوان، إنها السيدة فطومة الدواس أو كما تحب أن تنادى «غزالي»، إنها الْمُعَلَّمَة» التي كرست جهودها من أجل تعليم الفتيات فنون الطرز والخياطة، وأسهمت بشكل كبير في النهوض بالعمل التطوعي، هذه السيدة العظيمة التي كان بيتها قبلة للصنعة وحديقة غناء لرؤية الألوان بعدسة الإتقان، سوء في قوس باب النوادر) أو في (حي العيون)، لتتزاحم معاني الإيثار والعطف والحنان عند مدخل منزل فطومة الدواس.

إن المعطاءة فطومة الدواس لم تكتف بجعل منزلها مدرسة نموذجية للتربية غير النظامية، بل منحت وقتها وتبرعت بخبرتها لتعليم الأجيال، ورفضت رفضا قاطعا أخذ المقابل لما تلقته وتعلمه للفتيات؛ لأنها كما يحكى عنها لا تفرق بينهن وبين فلذات روحها.

واعترافا من تطوان وأهلها، استحقت الجائزة التقديرية التي تسلمتها من يد الزعيم الكبير عبد الخالق الطريس عربون شكر وتقدير، ووسام حب ووفاء لجهودها الرائعة التي بذلتها من أجل الدفع بعجلة العلم والمعرفة، والنهوض بالعمل التطوعي بحاضرة تطوان).

ومن نساء تطوان الحرات المعطاءات والفقهيات الحافظات اللاتي كانت لهن دور لتعليم وتحفيظ ،البنات نذكر منهن على سبيل الإجمال:

– الفقيهة الشرقاوية، وكان بيتها في حومة المطامير، درب حمام مدينة.

– الفقيهة زوانة، ومان بيتها في الزنقة الضويقة في حومة الجامع الكبير.

– والفقيهة للاخدوجة بنت سيدي الحسين الريسوني، زوج سيدي الحاج محمد الريسوني، وقد توفيت في شعبان 1349هـ الموافق ل يناير 1931 م.

عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي

الكاتب: كتاب جماعي

الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)

بريس تطوان

يتبع..


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.