المرأة الأندلسية والعمل السياسي في الفترة الموريسكية - بريس تطوان - أخبار تطوان

المرأة الأندلسية والعمل السياسي في الفترة الموريسكية

عرف نساء الأندلس بمكانتهن وقوتهن عبر فترات تاريخ الأندلس المختلفة من عهد بني أمية وحتى عهد ملوك الطوائف، فقد تنوعت مشاركتهن السياسية بين إبداء الرأي، والتحكم في أمور الدولة وشؤون الرعية، وبين التحريض على القتل أو السجن، بل كان الزواج في أغلب الأحيان زواجا سياسيا لحفظ المصالح السياسية «كما كان لزواج المنصور بن أبي عامر – مؤسس الدولة العامرية في الأندلس- بأسماء بنت غالب دور تأمين جانب الجيش الذي كان غالب على رأسه».

وقد برزت نساء كان لهن دور مباشر على الحياة السياسية في الأندلس وكن مشاركات لأزواجهن الحكام في اتخاذ القرارات والتحكم في شؤون الدولة الداخلية والخارجية أبرزهن اعتماد الرميكية.

لقد بينت المصادر التاريخية الأندلسية تولي بعض النساء إدارة شؤون الدولة «نلمح كثيرات قد ولدن مع الرياسة. وقد برزت نساء لهن نصيب في هذا المجال، وكن من ربات العقل، والصلاح والفضل، وعرفن برباطة الجأش، وإثراء التاريخ بجلائل الأعمال والأقوال».

ولعل نداء عائشة أم عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة ومسلم مفاتيحها للإسبان يعتبر صرخة سياسية كبرى من امرأة خبرت ظروف السياسة ومكائدها ودسائسها، ويعبر عن وعيها واهتمامها بأمور الحكم، معاتبة ابنها على فعله قائلة «ابك كالنساء ملكا لم تستطع أن تحافظ عليه كالرجال» إنها حرقة امرأة تئن على ضياع مجد الأندلس وتبكي وطنها الأسير، وهي من النساء الأكثر شهرة عند الإسبان «باسم السلطانة مادري بوعبديل، وبوعبديل تحريف لاسم ابنها محمد أبو عبد الله… وبحسب ما ذكره عبد الله عنان المتخصص في دراسة سقوط غرناطة، لعبت عائشة الحرة دورا بارزا في الأحداث التاريخية، رغم صمت المصادر التي قلما تذكر اسمها. إن تحليل الوثائق الإسبانية وحده يثبت أنها كانت رئيسة مميزة، واتخذت قرارات بطولية في تلك الفترة المأساوية»، لكن للأسف لا نجد ذكر هذه البطلة في تراثنا التاريخي إلا إشارات يسيرة هنا وهناك لا تكفي بالتعريف بدورها السياسي الرائد ويتمثل في ثلاث محطات من حياتها السياسية:

– أولا: فطنتها السياسية ونجاحها في الحفاظ على عرش غرناطة من أطماع المحظية الإسبانية لدى السلطان التي كانت تحاول السيطرة على العرش بتقريب أقاربها – ثانيا: استمالة قلوب أهالي غرناطة إليها، فساعدوها على الإطاحة بالسلطان علي أبي الحسن.

– ثالثا: توليتها لابنها العرش في ظروف صعبة وعصيبة وقد حكم سنة بعد سقوط غرناطة.

ما عاشته هذه المرأة هو محنة سياسية تجرعت مرارتها كزوجة لسلطان قدم نزواته على رغبة شعبه، وكسلطانة تحملت مسؤولية شعب وثق فيها وفي حكمتها وشجاعتها في خبرتها السياسية وقدم لها المساعدة، ثم كسلطانة أم عاشت ألم هزيمة ابنها واستسلامه وضياع مجد وطنها.

«فقد كان آخر صوت سمع في أجواء الأندلس… وكان صوتا نسائيا وكان باكيا».

وبعد انقسام الأندلس إلى ملوك وطوائف ضعفت قوة المسلمين السياسية، مما مكن الإسبان من الاستيلاء على مدن الأندلس واحدة تلو الأخرى، وكانت آخر المدن سقوطا غرناطة سنة 1492م-897هـ، التي تعرض أهلها إلى أشد أنواع التعذيب «بذلك الانقسام والتخاذل ثم استرسالهم في ملاذهم واستسلامهم لشهواتهم، واستنامتهم إلى الراحة، -ملوك الطوائف- ضعفت فيهم الحمية الدينية والعصبية القومية حتى ضعفت قواهم، فكان جزاؤهم أن فقدوا الفردوس الأندلسي».

بعد أن سلم «أبو عبد الله الصغير مفاتيح غرناطة إلى الإسبان مقابل شروط لم ينفذ منها ولا شرط واحد بعد الاستيلاء على غرناطة مباشرة لتمادي الإسبانيين في تعصبهم الحاقد… سبعة وستين شرطا، أمنوا فيها على أنفسهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم وأملاكهم وحريتهم، وإقامة شعائرهم، واحترام مساجدهم ومعابدهم وفك أسرهم، وإجازة من يريد الهجرة منهم إلى بر العدوة (المغرب)، وإعفائهم من الضرائب والمغارم سنين معلومة».

وهكذا أخلف الإسبان وعودهم، وكان هذا الفعل قائما في الأساس على أسس العصبية الدينية، فهرب من الأندلس بعض المسلمين وتعرض من بقي منهم – وسموا الموريسكيين إلى القتل والحرق وكل أنواع العذاب الوحشية وأرغموا على اعتناق المسيحية، ولم يستثنى من ذلك النساء فقد كن يهاجمن ويحاربن من طرف «نظام سيدات الفأس» لتعذيب النساء.

وهكذا لم يسلم نساء الأندلس من همجية الاضطهاد والتعذيب والمس بأعراضهن داخل «سجون التفتيش»، وقد تعرضن لشتى أنواع البلاء «وخصصت الطبقة الوسطى من تلك السجون للنساء اللواتي كان رجال الديوان يترددون عليهن من حين لآخر، وكثيرا ما كان يتم ذلك للعبث بعفافهن في تلك الدار الموحشة».

وقد أخذ النساء أيضا نصيبهم من مذبحة لشبونة «وقتل الشعب الهائج – بتحريض من الكهنة – النساء وهن يحملن أطفالهن، وقتلوا معهن أطفالهن…وحاول بعض النسوة تخليص أطفالهن برفعهم فوق رؤوسهن، ولكن أين الخلاص». وقد كانوا يتفننون في اختيار طرق تعذيب النساء وارغامهن على التنصير، حيث تعرضن لتمزيق أجسادهن بواسطة «آلات لسل اللسان ولتمزيق أثداء النساء وسحبها من الصدور بواسطة كلابيب حديدية حادة».

لقد واجهت نساء الأندلس كل ذلك العذاب بالصبر والتضحية ونكران الذات، واستمر هذا الوضع لسنين طويلة، حافظت فيها النساء على الهوية الحضارية الإسلامية رافضة التنصير «كان دور المرأة الموريسكية أساسيا في رفض اندماج مجتمعها في المجموعة المسيحية، فقد أدت دورا مشرفا في مواجهة محاكم التفتيش، ذلك أنها مثلت الحارس الأمين للقيم والتقاليد الاجتماعية منها والدينية. فإيزابيل كالافار أحرقت لأنها لم تخبر عن والدتها وأختها، وهي في العشرين من عمرها، ومن النساء من شنقن أنفسهن، أو رمين بأنفسهن في البئر، أو قطعن ألسنتهن كي لا يبحن بأسرار العائلة عند الاستنطاق والتعذيب. وفي البيت، كانت المرأة الموريسكية ضامنة للطعام الحلال، وإحياء الأعياد الدينية، ومتكفلة بتعليم أبنائها تعاليم الإسلام. وفي بعض الأحيان كانت تعقد اجتماعات سرية في بيتها لتعليم القرآن وقواعد الإسلام مثلما فعلت خوانا لوبيز» هذا الوعي في تقبل المرأة الموريسكية لمصيرها، وهذه القدرة على التحمل، وإدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها لهو من أشرف صور أداء الأمانة على الوجه المطلوب، وهو كذلك ممارسة للسياسة في أرقى تجلياتها، مقاومة الظلم بشتى صوره، ولكم أن تتصوروا معي حالة المرأة التي تقطع لسانها حتى لا تشي بأقاربها فتحميهم بعضو من أعضائها «المرأة الموريسكية كانت عنصرا فاعلا ومحركا لتلك المقاومة البطولية، بوصفها آخر الرموز الصامدة للحفاظ على سلامة العقيدة». إن المتمعن بعمق في هذه المحطات التاريخية من حياة المرأة الأندلسية يدرك بلا شك ، الممانعة والصمود داخل المجتمع الأندلسي لمدة من الزمن. إنه نتاج تضحيات وصمود للحفاظ على اللغة والدين والهوية، حيث حافظ بذلك آخر أندلسيي غرناطة على تراث كبير نقلوه لأبنائهم الذين هجروا وطردوا من اسبانيا ولجأوا إلى المغرب، ثم نقله الأبناء للأحفاد.

عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي

الكاتب: كتاب جماعي

الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد)

بريس تطوان

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.