شخصياً كان هناك شبه اتفاق غير معلن مع العزيز عبد الحميد جماهري على تخصيص عمود الاثنين للقضايا ذات الارتباط بالقضية الوطنية والدبلوماسية المغربية، وقد استمررنا على هذا الحال، وكنتُ في حالات قليلة أخرج عن هذا “الاتفاق” عندما تكون هناك قضايا اجتماعية صاعدة تستدعي الوقوف عندها وإثارة الانتباه لها، خاصة إذا كانت ستؤثر على صورة المغرب وقد تمس بكل الديناميات التي فتحها خارجياً…
واحدة من هذه الحالات هو ما يحدث اليوم في الفنيدق، فبعد إغلاق المعبر الحدودي نحو سبتة المحتلة ووقف كل أشكال التهريب المعيشي مع ما رافق ذلك من وعود بخلق فرص شغل لشباب المنطقة ممن امتهنوا التهريب المعيشي، لم تستطع تلك الوعود كبح جماح الشباب خاصة القاصرين منهم للهجرة نحو إسبانيا ولو بالمغامرة والارتماء في أحضان أمواج البحر.
منذ سنوات وعملية الهجرة غير النظامية تتم، لكن ما كان يوحدها هو أنها كانت فردية، لم تكن منظمة ولا جماعية…إلا أنه في شهر غشت تم دق “جدار الخزان” وتم تنظيم عملية هجرة جماعية للقاصرين نحو سبتة المحتلة أملاً في الوصول إليها لأنها ستكون الممر نحو مراكز إيواء القاصرين بإسبانيا وتمكينهم من وثائق الإقامة المؤقتة باعتبارهم قاصرين، خاصة أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يمنع تهجيرهم دون المرور من مسطرة قضائية طويلة ومعقدة تنتهي غالبا بالفشل في إعادتهم لوطنهم الأم، ما حدث آنذاك يبدو أنه لم يثر المسؤولين على تدبير مختلف القطاعات الاجتماعية للانتباه إلى أن هناك شيئا على غير ما يرام بالمنطقة، وأمام تجاهل ما حدث ودون أن يثير الذي كان يُفترض إثارته، كانت وانطلقت دعوات للهجرة الجماعية للقاصرين والشباب ليوم 15شتنبر 2024، ليكون الأمني هو من يدفع ثمن هذا التراخي من خلال توجه كل أفراد القوات العمومية نحو مدينة الفنيدق لتأمين الحدود الوهمية نحو سبتة برياً وبحرياً، في إطار التزامات المغرب الدولية التي انخرط فيها منذ سنوات، وهي معنية بمحاربة الهجرة غير النظامية، فإن ما يحدث يسائل الاختيارات الاجتماعية الموجهة منها لهذه المنطقة بشكل عام ولشبابها القاصرين منهم بشكل خاص، ففي الوقت الذي تمت الدعوة إلى ضرورة تحديد التعاقد الاجتماعي على أسس اجتماعية جديدة تحد من الفوارق الاجتماعية فإن التدبير الاجتماعي، للأسف، لم يكن في مستوى هذه الدعوة ولا في مستوى تطلعات أبناء مناطق الهامش على رأسها منطقة الفنيدق-المضيق.
ما حدث يجب أن يطرح للنقاش الجدي والمسؤول داخل مؤسسات الدولة، داخل المجلس الحكومي، وداخل البرلمان وباقي المؤسسات المنتخبة، جهويا ومحليا، لأنها المسؤولة عن تدبير القطاعات الاجتماعية، ولا يمكن أن تسعف الأرقام المستندة إلى معطيات تقنية في تبرير أو في القفز عما يحدث وعما حدث في الفنيدق، فالوضع له بعد اجتماعي لكن قد يكون له انعكاس سياسي.
نحن اليوم ، عندما ندعو إلى ضرورة تحرك اجتماعي عاجل، لسنا في مجال المزايدة، بقدر ما أن الضرورة وواقع الحال يفرضان ذلك، المسؤولية تقتضي ذلك، صورة المغرب وكل ما يتم القيام به بقيادة عاهل البلاد يتم خدشها اليوم ويتم التشويش عليها، الانتصارات التي حققها المغرب دبلوماسياً وخارجياً يشوش عليها…ولن نستغرب إذا ما جوبهنا خارجياً بمشاهد القاصرين وهم يحاولون العبور نحو الضفة الأخرى من طرف من ظل يحاول استهداف المغرب في كل لحظة من لحظات المكاسب التي حققها دبلوماسيا وأممياً.
الشباب والقاصرون منهم دقوا “جدار الخزان”، فمتى سيُفتح لهم باب الأمل للمساهمة في البناء؟
في انتظار ذلك، لقد رفع شباب الفنيدق نقطة نظام، فمتى سيُستجاب لها!؟