الفــــــــــــــــتوح الإســـلاميــــة - بريس تطوان - أخبار تطوان

الفــــــــــــــــتوح الإســـلاميــــة

عندما تستعرض تاريخ شعب ما فإنك تجد التركيز فيه على صفحات التحرر من الخضوع للسيطرة الأجنبية وانبعاث الروح الوطنية وتأكيدا لشخصيته القومية. فإذا كان هذا الشعب قد خضع في فترة ما من تاريخه لحكم أجنبي، فإنك تجد أول وأبهى صفحة من تاريخه مخصصة لثورته بغية الاستقلال، يستوي في ذلك أي شعب أوروبي كالألمان أو الفرنسيين مع أقصى شعوب إفريقيا وآسيا وغيرهما. فلقد فطر الإنسان على حب الحرية والاستقلال، وكره الظلم والعبودية للغير.

ولقد عرف العالم في تاريخه إمبراطوريات شتى فكانت إمبراطورية الاسكندر، وكانت الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية. وكانت في العصور الحديثة الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الفرنسية.

إلا أن كل هذه الإمبراطوريات زالت بعوامل واحدة، وبحروب استقلالية ذات طبيعة واحدة، ذلك لأنها فرقت بين الجنس الحاكم والأجناس المحكومة. فكما أن الإمبراطورية الرومانية كانت تقوم على سيادة الرومان كانت الإمبراطورية البريطانية تقوم على سيادة الشعب الإنجليزي والإمبراطورية الفرنسية تقوم على تفوق الشعب الفرنسي.

ولذلك فإنه عندما تحررت البلاد التي خضعت لهذه الإمبراطوريات من ربقة حكمها كانت دائما تحرص على أن تمحو عن نفسها آثار خضوعها السابق، فتغير من أنظمتها بالشكل الذي يؤكد حريتها واستقلالها.

ولكن تنفرد الفتوحات الإسلامية في التاريخ بأن الشعوب التي دانت بنتيجتها للحكم الإسلامي كانت دائما أحرص على بقاء هذا الحكم فيها، وتكره أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الإسلام، يستوي في ذلك أهل إيران وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة، مع أهل اندونيسيا وغيرها من البلاد التي  فتحت عن طريق التجارة. ذلك لأن الدولة التي أقامها الإسلام كانت دولة يستوي فيها الغالبون والمغلوبون، ويحس الفارسي فيها أنه في دولته التي تجمعه مع الهندي والتركي والعربي والبربري على حد سواء. ولهذا أقبل أهل البلاد المفتوحة على المشاركة في بناء الحضارة الإسلامية مشاركة إيجابية بناءة، وبرز منهم أشخاص وصلوا إلى القمة في مجالات تخصصهم واعتزت الدولة الإسلامية بما أسهم به هؤلاء دون أن تنظر إلى الأصل العرقي الذي ينتمي إليه أي منهم. فكانت الدولة الإسلامية دولتهم جميعا، لا دولة العرب، ولذلك لم يطلق عليها لقب الإمبراطورية، بل كانت دولة الخلافة الإسلامية. ولم يقتصر إسهام أهل الشعوب المفتوحة في بناء الحضارة الإسلامية على الجوانب العلمية والعملية كالرياضيات والهندسة والفيزياء والبناء. بل برز الأعاجم حتى في علوم اللغة العربية وآدابها. ولعل من أشهر علماء العربية سيبويه الفارسي. ومن أشهر رواة الأدب العربي الأصبهاني. كذلك كان معظم كبار علماء الحديث من أهالي البلاد المفتوحة وعلى رأسهم البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجة، وغيرهم كثيرون. بل أسهم أهل البلاد المفتوحة إسهاما يفوق كل تصور في خدمة شريعة الإسلام حتى يومنا هذا كان كل قرائها ورواتهم من الأعاجم باستثناء اثنين وهما أبو عمرو بن العلاء قارئ البصرة، وعبد الله بن عامر قارئ دمشق.

ولا عجب بعد هذا إن كانت الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية يعتز بها الفارسي والهندي والبخاري والرومي والتركي والعربي والبربري والإفريقي على حد السواء. ولا عجب بعد ذلك أن ندرت في تاريخنا الثورات الاستقلالية، حتى عندما بدأ الضعف يدب في جسم الدولة الإسلامية بل كانت الدول التي تنشأ في الأقاليم النائية كدولة المرابطين والموحدين دولا إسلامية القلب والقالب وهذا أعظم ما في الفتح الإسلامي الذي قام على أساس الهداية لا أساس الاستعباد.

والله الموفق 24/10/2008

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.