لطالما ارتبط اللون الوردي بالسعادة والفرح، ولطالما جسّد الجمال والهدوء، وقد تعددت دلالاته عبر التاريخ ثقافيا، عقائديا، واجتماعيا..، أما نفسيا فقد قدم مؤلف “علم نفس اللون” لايفا هيلر، بحثا يفيد فصلا منه أن اللون الوردي يرمز للشباب كما بامكانه أن يثير المشاعر الإيجابية لدى الشخص كاللطف، الرقة، النعومة، وكذا أحلام اليقظة.
وأنا أقرأ التحليل النفسي، استوقفتني “أحلام اليقظة”، وتساءلت كيف يمكن للون عادي وبسيط، أن يحفز الأحلام عند الشخص وأن يجعله يسبح بخياله وهو مستيقظ، إلى أن ربطت الأمر بالانستغرام!! العالم الذي اختير لرمزه لون الورود!
بداية وبعد اكتشافي للموقع الوردي، قبل ما يناهز ثماني سنوات، أثار رمزه اهتمامي كثيرا وأعجبني اختيار لون أنثوي له، خاصة وأننا تعودنا في تلك الفترة على الأزرق بدرجاته (الفايسبوك، توتير، MSN…)، لكن لم أكن أتوقع أن هذا الموقع صاحب اللون اللطيف بإمكانه أن يُحدث زلزالا في نفسية مستعمليه وأن يرمي بهم في عالم الأحلام “الوردية” والمستحيلة أحيانا.
إن ما جاءت به الموجة الرقمية الانستغرامية، جعلت من الانسان عبدا للمظاهر، وحولته من كائن اجتماعي، ودود، بسيط، إلى آخر معقد، خاضع، ومحبَط للغاية…
فالحياة التي -اختار- الانستغراميون توثيقها للمستعمِل العادي، أشبه بوثائقي يصور الجزء المملوء من الكأس لحياة شخصية مشهورة -ناجحة-… لا بل الجزء الوردي فقط، حيث أمر المخرج خلية المونتاج بحذف كل مشاهد التعثر، والفشل، والدموع… وكل ما له علاقة بالطبيعة البشرية…! ليعرض لنا كائنات جميلة، سعيدة، متفهمة، متفاهمة، وألوان كثيرة… كثيرة جدا؛ زاهية وساطعة!!
وكم من متابع قرر خوض رحلة البحث عن المثالية التي يعرضها العالم الوردي فأحبطته مطبات الحياة، وكم من عارض ابتلت وسادته دمعا بعد أن شارك آخر منشور سعيد له خلال اليوم وخلد للنوم! مما صعّب الحياة جدا وعقّد تفاصيلها وباتت في عيون الجميع (عارض أو متابع) معركة مع الذات لاثبات عكس الواقع للآخر…!
يقول هنري كورتني: “العثور على طريقة لعيش حياة بسيطة في عالم اليوم هو أعقد المهام التي يواجهها الإنسان“؛
كيف لا ونفسيته أضحت مادة دسمة، تلوكها الحياة المزيفة وترمي بها حيث الاضطراب والاختلال والعُقد!
هي الحياة الوردية المرصّعة بالخدع، جاءت لتمنح الإنسان حياة ثانية، مع إمكانية تحكمه فيها؛ اختيار شخصية -قد لا تشبهه في أحيان كثيرة- للظهور بها، وإعطاءه الحق في توثيق ما يريد وكيفما يريد ومتى يريد… للتعويض عن الحياة الواقعية التي يعيشها والتي لا يمكن لمنحناها أن يستقر على الفرح والنجاح دائماً وأبدا.