الصدفة و المنطق
تلعب الصدفة في حياتنا جزءا كبيرا، فحين نستعيد حياتنا الماضية ، نجد أننا في كثير من الأحيان نتاج صدفة غريبة حكمت بداية طريقنا، فالكثير يتحدث عن ميولاته التي كان يرغب في أن يعيشها لكنه يقول لقد جعلتني الصدفة أختار هذه المهنة و أحلم بأخرى، أو جعلتني الصدفة أختار هذا الزوج دون غيره أو جعلتني الصدفة ألا ألتقي بمن أحببت إلا ووجدته مع كائن آخر…فالكثير من الصدف تخلف مواعيدها معنا.
من الغريب أيضا حين نجد فكرة المنطق مرسومة في أذهان الكثيرين ، فهم يحدثونك عن المنطق الذي جعل حيواتهم تكون على هذا الشكل، و يبدو المنطق و كأنه صندوق سري يتعاملون من خلاله مع العالم، بحيث يبدون و كأنهم اخترقوا العالم بمنطق مدروس و ممنهج، و كأن العلاقة بين السبب و النتيجة محكومة بفكرة منطقية هي التي جعلت حياتنا تكون على هذا الشكل.
حين استفسر الكثير من الصديقات عن اسباب اختياراتهن، أغلبيتهن يعترفن أن الصدفة هي التي وضعتهن في هذه الطريق رغم المعرفة التي اكتسبناها و هن يعشن حيواتهن، لكن هناك شيء من أثر الفراشة التي انطلقت منذ بداية مصائرهن الشخصية، فتلك الرفرفة الأولى للفراشة هي التي جعلت مصائرهن تتخذ هذا الشكل دون ذاك، لذا تتوارى العديد من الأحلام إلى الخلف لأن الصدفة كانت أقوى في تقرير المصير و جعله يكون بهذه الطريقة دون تلك.
لا يمكن أن ننكر أننا نتخذ في كثير من الأحيان هذه الطريق بمنهجية و منطق و عقلانية، لكننا نعيش مع أناس آخرين يعانون هم أيضا من عوالمهم الخاصة و أحلامهم المجهضة، لذا نحن نقع تحت تأثير محيطنا الخاص سواء المحيط الأسري الذي نبعنا منه أو المحيط العام الذي يوجد عليه المجتمع الذي نحيا فيه، لذا فنحن لا يمكن أن نعيش بهدوء تام و بفرح كبير اذا كان النبض العام لا ينعم بنفس الراحة و نفس الأمل، فالصدفة تجمعنا في كل الحالات النفسية، و دون أن نشعر نجد ذواتنا مثل حبات رمل في جوف هذا الجبل.
يبدو العالم الآن و كأنه خاضع لسببية غير منطقية تجره نحو العدم، فلا يمكن أن تمر ثانية أو دقيقة دون أن يحدث قتل جماعي أو إبادة لأجساد لم تفعل شيئا سوى أنها نشأت في هذا المكان الذي وقع عليه الحد من أناس آخرين، و يبدو كل ما يحدث و كأن هذا الكائن الذي يحيا لا يستطيع أن يحيا بسلام، فتذروه الرياح التي لا يدرك أسباب هبوبها و يتلاشى بصدفة كيفما اتفق و كأنه كائن لا منطق لوجوده و نشأته، و تكثر التآويل و التحليلات و التفسيرات لكن كل ذلك يبدو ضئيلا أمام هذه الرحلة الهوجاء التي تجرف في كل يوم أمكنة جديدة و تاريخا كان مشرقا .
حين نرى اليوم ما يحدث، نصاب بخوف حقيقي، أن تبدو الصدف و كأنها هي التي ركبت المنطق الذي يوجه الأشياء، و كأنها صارت هي التي تنظم الشعوب و الحروب و العلاقات الانسانية، و كأن مجموعة من النمل انتشرت فوق حصيرة لتبحث عن قوتها كيفما اتفق. و من الغريب أيضا أن نجد عالما من الآراء الصدفوية هي أيضا تواكب كل ما يحدث و كأن ما يحدث منذور للصدفة و الذي يترتب عنه خاضع للصدفة هو الآخر..
أمام ما يحدث، لا يسعنا إلا ان نستحضر المثال الشهير: ” اللي بغى ياكل شي عشبة كيدير ليها سمية.”
نورة المرضي / بريس تطوان