حياة الصحف:
من احترام الصحف أن نقول حياة الصحف ولا نقول موت الصحف، فشاهدنا في الأعوام الماضية أن عددا كبيرا من الصحف انقرضت أو كما يقال في الغرب ماتت كما يموت البشر ، ولا بيقى إلا ذكرها وحقوق أصحابها عليها، ففي
الولايات المتحدة نجد أن فيلاديلفيا بوليتن PHILADILPHIA BULLETIN التي كانت في وقتها من أكبر الصحف الصادرة في المدن الأربعة الكبيرة صادفتها المنية وماتت، وغابت عن الوجود، وصحيفة نيويورك دايلي نيوز NEW YORK “DAILY NEWS أكثر طبع في الصحافة اليومية الأمريكية والتي كانت تطبع يوميا 1.500.000 نسخة وكانت تباع كلها ولم تجد اليوم من يشتريها ولم يبق لها قراء.
وقناة هييرت CHAINE HEARST‘ لم تجد كيف توقف انزلاق صحفها اليومية الأربعة في بوسطن وبالطيمور، ولوس أنجلس وسيطلت، وهي في الطريق إلى التخلص من هذه الصحف.
واشنطن ستار WASHINGTON STAR التي تعد من أقدم الصحف في العاصمة الأمريكية اختفت نهائيا في غشت، 1981، وتركت صحيفة واشنطن بوسط “WASHINGTON POST بدون منافس في مدينة يفوق سكانها 2.500.000 نسمة.
وهذه الأمثلة الحية المهمة في عالم الصحافة والإعلام لا تتركنا أن نأخد بعين الاعتبار ما قاله السيد تيد تورنير من أعلام التلفزة حين قال بعد عشرين سنة من الآن ابتداء من سنة 1982 لن تبقى الصحف تقرأ كما سبق”.
والسيد تورنیر TURNER. صاحب ومؤسس بما يسمى CABLE “NEWS NET YORK على يقين تام بأن الأمريكيين سيتخلون شيئا فشيئا عن صحيفتهم اليومية والتقليدية، وسيستلمون في عقر دارهم جميع المعلومات التي هم في حاجة إليها وذلك بواسطة خط يصلهم بجهازهم الخاص.
ليس هذا في الحين تجيب على هذا السيدة كاتارينا كراهام Mme KATARINE GRAHAM صاحبة واشنطن بوسط WASHINTON POST“ ورئيسة جمعية ملاكي الصحف الأمريكية تقول السيدة إنه لحزن كبير نرى صحيفة كبيرة تموت، ولكن عللت هذا بأن الإنسان هو الذي يتغير، رغم أن الصحف تقوم بمجهود جبار لتدخل إلى كل المجتمعات التي لم يكن مسموح لها في القديم.
جميع المحللين الماليين في صناعة الصحافة بالولايات المتحدة يعطون الحق للسيدة كراهام ضد السيد كورنيز ، أنهم لا يعتقدون ان وفاة عشرات الصحف اليومية في المدن الكبيرة معناه أن الصحافة المطبوعة محكوم عليها بالموت بحدوث ما يسمى بالتيليماتيك.
هؤلاء المحللين يلاحظون أن الصحف التي تموت هي غالبا الصحف القديمة التي تصدر في المساء وفي المدن الكبيرة، وأن أغلب السكان الشعبيين والشباب يعيشون في ضواحي هذه المدن البعيدة.
ولكن الصحف الكبرى اليومية الصباحية، التي تصدر في المدن المتوسطية أو المدن الساكنة إلى حد الآن أحوالها بخير.
هذا ما أعطته الإحصائيات الحالية حول 1.745 صحيفة يومية صادرة في الولايات المتحدة ولهم اليوم طبع يفوق 62 مليون نسخة والتي لم تنخفظ نسبتها منذ حوالي عشر سنوات.
ولكن بعدها نلاحظ ان طبع اليوميات المسائية ينخفض في عشر سنوات من 36 مليون إلى 32 مليون نسخة في نفس السنوات وعدد الصحف الصباحية يصير من 335 إلى 390 صحيفة، وصحف المساء يصير من 1.430 إلى 1.390 يعطينا كل هذا دليلا قاطعا على أن الصحافة بخير وخصوصا الصحافة اليومية الصباحية.
فمثلا دايلي نيوز DAILY NEWS‘ التي تصدر في نيويورك من احسن الأمثلة في اتساع رقعة جغرافيتها بالنسبة للقارئ، وهذا في الوقت الذي تفقد في عشرين سنة ثلث قرائها داخل رقعتها الجغرافية، وعكس هذا نشاهد أن عدة صحف محادية لها مثل نيوزداي NEWSDAY في لونك اسلاند LONG ISLAND“ أو فرجين روكور “BERGEN RECORD“ نيوجرسي “NEWJERSEY‘ ارتفع عدد قرائها إلى 50 %.
ونلاحظ انخفاض السكان في المدن الكبرى بالولايات المتحدة، وهذا عكس ما يوجد لدينا في المغرب أو العالم الثالث، فالخبراء يعطون عدة تحليلات وحقائق حول الصحف المسائية، أولا أن هذه الصحف كانت دائما براقة ومنافسة للتلفزة لأن أهم نشرات الأخبار المصورة تذاع في المساء، وثانيا أن توزيع الصحف على المشتركين والأكشاك أصبحت صعبة مع الازدحام داخل المدن في المساء خلافا للهدوء الذي يسود المدينة في الرابعة صباحا أو الخامسة.
وعلى هذا اغلب محللي الصناعة الصحفية يزكون استنتاجاتهم بأن الصحف التي تموت، هي التي لا تتطبع مع شروط التغيير في الحياة والسوق.
ففي فيلاديلفيا صحيفة بولطين BULLETIN” كانت تعيش دائما على ماضيها المجيد بلا تحفظ أو مراقبة ما يدور حولها من تحركات سريعة لمنافسيها الصغار، وبدون شعور فقدت 300.000 قارئ في 20 سنة و 37 مليون دولار في سنة 1980 و 81.
بعد اختفاء البولطان LE BULLETIN“ توجهت انظار المحترفين إلى الدايلي نيوز DAILY NEWS‘ التي تصدر في نيويورك.
ولكن صحيفة تبلواد TABLOID ضیعت 1.000.000 قارئ منذ نهاية الحرب و 20 مليون دولار في سنة 1981 ، وذلك لتجربتها في طبع نسخ مسائية.
وهناك علامة على اختفاء بعض كبريات الصحف، وهذه الإشارة تقلل من سقوط الصحافة المطبوعة في الولايات المتحدة أو في الدول الكبرى الغربية، فالصحافيون الذين صدر في حقهم التوقيف عن العمل يجدون مكاتبهم بسهولة في دور النشر، 90 % من الصحفيين الأمريكان يجدون أماكنهم في المؤسسات الصحفية في ثلاثة أشهر بعد اختفاء جريدتهم عن الصدور أو بعد ما تموت اليومية.
هذا بدون أن نتكلم عن 9.750 محطة راديو وتلفزيزن في الولايات المتحدة والتي تشغل 100.000 صحفي وخصوصا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للصحافة مثل كانيط GANNETT، أو كينكط ريدر KNIGHT RINDDER“ فهما المؤسسات المرموقة في عالم صناعة وسائل الاتصال وهاتان المؤسستان تملك عادة وكالة أنباء خاصة بهما وتوزع الانباء بواسطة شبكتها الخاصة عن طريق الأقمار الصناعية، وهؤلاء أطلق عليهم حاليا في عالم الصحافة أغنياء الإعلام في الولايات المتحدة.
كان هذا بحث دقيق عن حياة أوموت صحيفة واخترت بالذات المثل الأمريكي حيث أن الصحافة تطورت تطورا كبيرا وأصبحت أداة فعالة في أوساط الشعب الأمريكي الذي يعتمد كثيرا على أجهزة الإعلام، وله الثقة العمياء بما يكتب وما يصور ، كان بودي أن آخذ بلد عربي أو إفريقي أو أوروبي ولكني وجدت أن الصحافة الحقيقية ليست متمثلة داخليا في هذه الدول، وليس لها طابعها الخاص بها، إذن اكتفيت بأن أعطي فكرة ولو مبسطة حول حياة الصحف المنافسة اليومية بل منافسة الساعة والدقيقة.
بقلم: المرحوم ابن تطوان الكولونيل عبد النبي عبد القادر الجحرة
نقلا عن كتابه: الصحافة علم واختصاص
بريس تطوان
يتبع…