الصحافة علم واختصاص (الحلقة الخامسة) - بريس تطوان - أخبار تطوان

الصحافة علم واختصاص (الحلقة الخامسة)

المتطلبات الصحافية
منذ أن بزغ فجر الصحافة القوية تحولت الصحف الغربية والأمريكية، وصحافة بعض الدول العربية كثيرا، وخاصة نحو الأفضل، فقد تبدلت الصحف كثيرا خلال الخمسين سنة الأخيرة، حتى أنه قلما يوجد اليوم، ما يمكن أن نعتبره سليل صحف منتصف القرن الماضي باستثناء المتطلبات الثلاث الأساسية للنجاح الصحفي.

وهذه المتطلبات تدعى هرم الصحافة:

-1- نشر ما يمكن نشره من الأخبار .

-2- تنظيم سياسة الافتتاحية بنشاط وتوقيت حسن.

-3- تأسيس قاعدة ثابتة للتوزيع، وعن طريق التوزيع البيتي.

ويبدو أن بعض المديرين يجهلون أن نجاحهم إنما عن طريق تنفيذ هذه المتطلبات الأساسية الثلاث، فيبتدع أحدهم من حين لآخر، عاجلا مختلفا لهذه المعضلة أو تلك، ثم لما تزدهر جريدته ينسب الفضل في ذلك إلى ابتداعه متناسيا الأسباب الأساسية للنجاح، وأن تفكيره شبيه بتفكير قبطان الباخرة الذي ينسب نجاح رحلته إلى بعض الصور المرسومة على جانبي السفينة، ويعتقد أن السفينة ترى بتلك الصور طريقها ويقلل من مهارتها بصفته بحار، مثلما يقلل من حساب جريدته نفسها، لما ينسب نجاحها إلى تركيبها إو إلى تحقيقها إو إلى أي أمر اصطناعي آخر.

لم تكتسب بعد حيلة أخرى في نشر الصحف تستطيع بها أن تقلل من أهمية الأخبار، وأما طبع الأخبار فيحتاج عادة إلى شجاعة ومعروف أيضا أن يحتاج إلى تنظيم واجتهاد، إننا نرى أن الجريدة الناجحة لاتحقق نجاحها إلا عن طريق بيع الأخبار فحسب، وقد يوجد ربح في الأمور الثانوية ولكن الأخبار هي محور الجريدة.

وجنبا إلى الحاجة العاجلة لنشر الأخبار ، توجد الحاجة إلى تركيز سياسة افتتاحية الجريدة، وذلك عامل فعال في نجاح الجريدة وربحا لا يقاس أثره بالسنين بل بعشرات السنين، إلا أن نشاط سياسة الافتتاحية وانسجامها يولد ثقة العموم العالية على مر الأيام، وفي السباق الطويل، فهي تكسب احترام القارئ.

وهاهي ذي جنبات الطرق مغطات بعظام الصحف التي حاولت أن تتعلق للقارئ.

أما عن التوزيع، فإن الناشر الذي يشيد نجاحه على أخبار الشارع وفضائحه إنما يشيده على أساس متقلب، إنه يقيد جريدته الأوهام والوقت الضائع.

القراء الذين ينتظرون صحفهم على أعتاب بيوتهم عند إشراق كل صباح هم عماد الجريدة ضرورة أساسية، وهم مركز عمل الجريدة الناجحة في الولايات المتحدة، وهم حصنها عند الملمات، وعلى الجريدة واجب تربيتهم وإكثارهم، لأنهم يقرأون الجريدة كل يوم يدفعون ثمنها حتى عندما تكون الشوارع خالية.

إبراز الجريدة

كيف يبرز الإنسان جريدة جيدة؟

هذا السؤال لما له من الشبه الكبير للسؤال التالي: كيف يهيئ الرجل ابنه، حتى يصير إنسانا جيدا؟

الجريدة ليست مادة عديمة الحياة، ليست مجرد ورق وحبر، إنها حاصل عقول كثيرة، ومع هذا فهي حاصل عقل واحد، فيجب أن يكون في مكان رئيس ما، إن في مكتب المحرر أو الناشر أو المدير العام، نفوذ تماطل السلطة التقديرية لرئيس محكمة يسيطر على الجريدة كلها.

والعموم يتوقع أن تنشر الجريدة قبل كل شيء أخبار النهار المهمة والضرورية كلها، ولكنه وقع منها شيء آخر أكثر من مجرد سرد الأخبار.

الأخبار كلها تكون مهمة ولكن القراء ينتظرون أن تفسر لهم الأخبار من قبل هؤلاء الاختصاصيين في مختلف المواد.

فنرى عادة في مجتمعاتنا أن الشخص العادي يضع كل ثقته في الجريدة، حتى في الشفاء من مرض ما ولكن ينتظر دائما الحصول على الأخبار.

نجد أكثر الصحف تواجه مهمة صعبة وهي إرضاء هؤلاء الذين لا يوافقون على ما فيها من أخبار ، وهي مهمة صعبة ومستحيلة.

فما من جريدة تصل إلى النجاح إذا اكتفت بتقديم المادة التي يرضى عنها قراؤها سواء كانت تلك المادة أخبارا أو آراء.

واليوم تعالج الصحيفة بعض القضايا المختلفة في شأنها بأسلوب تحاول فيه أن تترك أثرها الخاص في الأخبار، غير أن المطلوب من كاتب العمود في الجريدة أن يعتاد على الحياد تجاه هذه القضايا المختلفة في شأنها ، وأن يكون تفسيره وتحليله لها، ورأيه الذاتي أيضا مبني على حكمه الخاص.

ومن الطبيعي أن تختلف وجهات النظر بين الأفراد، حتى حينما يجابهون المجموعة ذاتها من الحقائق، ولكن القارئ سيعرف على الاستقامة في النقل والصواب والتفسير ويبني أحكاما لنفسه.

ولقد بدت الجريدة انعكاسا للمجتمع ولكن مع أن الجريدة تقوم بتسجيل ما يقع، فإنها يجب أن تصبح جزءا من تاريخ المجتمع يجب أن تستلم القيادة في القضايا المهمة ويجب أن تعرض الأخطاء وتفضحها، سواء الأخطاء التي ارتكبها الحزب السياسي الذي كانت الجريد تؤيده في الماضي، أو الأخطاء التي ترتكبها أوساط أخرى.

والقارئ يطلب من جريدته الشجاعة، الجهاد من أجل الحق، ويعني هذا أن على الجريدة أن تنشر ما لديها من أخبار (في نطاق قانون الصحافة وأن يكون فيها افتتاحية تنقد الأخطاء عند وجودها بوضوح، بغض النظر عن أي جماعة معينة في المجتمع يمكن أن يؤثر الانتقاد فيها.

وعلى العكس من ذلك نرى أن من واجب الجريدة أن تقوم بالتسكين والتهدئة عندما يوقد لهيب الصراع، ومن واجبها أن تتوسط وتصالح عندما يتصدع بناء الوحدة الوطنية.

وفي الوقت الذي نجتهد في تخطيط صورة وأهداف الجريدة نجد أننا نفكر دائما في المواطن الصالح، والصفات الحسنة الأساسية في هذا المواطن هي المطلوبة من الجريدة الحسنة ،الاستقامة والخلق، والتبصر المعنوي للصراعات البشرية.

بقلم: المرحوم ابن تطوان الكولونيل عبد النبي عبد القادر الجحرة

نقلا عن كتابه: الصحافة علم واختصاص

بريس تطوان

يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.