إنتاج صحيفة من الدرجة الأولى
السيد وليم راندلف هيرست من أكبر الناشرين في عالم الصحافة الأمريكية والانكلوسكسونية كان يبحث دائما عن وجود صحيفة من الدرجة الأولى، وكان له باع طويل في ميدان النشر الصحفي المكتوب وكان همه الأول توجيه المحررين إلى إنتاج هذا النوع من الصحيفة وفعلا وصل إلى ما كان يرغب إليه، وعلى هذا طبق بعض قوانين خاصة وهذه القوانين تدعى قوانين هيرست السبعة.
أولا: المحررون يكرسون للأخبار مكانا مناسبا.
ثانيا: يوجزون الأخبار بحرص ووعي وينشرون كل الأخبا رفي الجريدة.
ثالثا: يعاملون الصور كالأخبار، أي بالحكم عليها حسب قيمتها الإخبارية.
رابعا: يحرصون على حجم الصور، مثل الأخبار، ولا يسمحون لصورة زائدة أن تتعدى على ما هو مخصص للأخبار.
خامسا: يعطون الصورة الجيدة كل الحجم الذي تستحقة ولكن بعد أن يقيموها.
سادسا: لا يسمحون للمقالات الوصفية بأن تتعدى على ما هو مخصص للأخبار بلا حق، الأخبار هي الشيء الأهم في الجريدة والمقالات الوصفية شيء يضاف إلى الأخبار، ولكنها لا تستبدل بها.
سابعا: يرون أن نصوص الجريدة، إنما يجب أن تنقل الأخبار وأن العناوين يجب أن تتحدث عن الاخبار.
– وأن الصور يجب أن تعكس الأخبار .
– وأن ملحقات العناوين الثانوية يجب أن تتحدث عن الأخبار.
ـ وأن غاية الجريدة يجب أن تعطي الأخبار ونرجوا أن تقوم جريدتنا بهذه المهمة.
إن رجل الشارع يرغب في أن يقرأ كل الأخبار المهمة وكل المواضيع الملذة وهو يريد ان يطالع التحقيقات المهم منها واللذيذ، كما أنه يريد ان يطالع آراء تثقفه وتمتعه.
وهو يريد أيضا أن يقدم إليه كل شيء بإيجاز وصراحة.
هناك أشياء كثيرة تملأ وقت كل رجل وامرأة، وولد في هذه الأيام بحيث لم يعد لدى الإنسان وقت كاف لأن يكرسه كله لأمر واحد خاص.
فالسينما تأخذ قسما من وقت الإنسان، والتلفزة والفيديو لهما حظ الأسد من وقته، ويأخذ الراديو قسما، وآلات التسجيل قسما آخر، وكذلك النزهة في الهواء الطلق.
وإذا أردت أن تفوز بانتباه أي شخص وتحافظ عليه، فعليك أن تقول له القيم من الأمور، وأن تقولها بسر عة ولذلك تتجه الصحافة نحو التبويب الموجز، ولا أقصد بذلك الحجم الصغير ، ولكن الإيجاز عن طريق تكثيف الأخبار في تقديمها.
ولا شك أن الصحف تصبح أكثر قابلية للقراءة بمقالاتها المختصرة، واتجاه الجرائد المعاصرة إنما هو نحو القصص الصغيرة فالصحفي الذي يقوم بالعمل ويقبض الأجر عليه، يجب أن يراعي ذلك القارئ الذي لا يقبض أي أجر على عمله، وكل ما يريده القارئ ابتغاء اللذة، والمتعة، والتشويق بإيجاز.
ولا أحد يحب المقال الطويل في عصرنا الحالي لأن وسائل الإعلام أصبحت متعددة، وتساير عصر التكنولوجيا، وكذلك حتى الخطاب الطويل…. بالطبع، كما تأتي قصة طويلة ذات أهمية كبرى.
والنصيحة هنا الكفاية عن القصص الطويلة، واستغلال وقت القارئ للقصص الصغيرة.
وأن يدرك المحرر ان الناس لا يحبون أن يقرأوا مقالات طويلة في هذه الأيام حيث تتوفر صنوف الترفيه والانشغال الجدي، لم يبق معهم وقت لقراءة المقالات الطويلة، قل ما يقال بأقصى حد السرعة.
إنه صعب ومضجر ذلك الذي يقيد انتباهك ويندفع في رواية قصة طويلة مرعبة، وتكون مؤدبا، فلا تقاطعه، ولكن القارئ ليس تحت أي واجب لأن يكون مؤدبا فهو يتوقف عن مطالعة الكتاب الذي يضجره، مثلما يفعل المستمع على الراديو عندما يقفله على شيء ممل، أو ناظر الشاشة الصغيرة عندما تكون المسرحية أو المسلسل ممل فيغير القناة، وهذه هي الأسباب التي جعلت الاختصاصيون يبحثون ويسهرون عن متطلبات الإنسان ويقدمون له تلك الشهية السهلة والتثقيفية في نفس الوقت.
يجب التأكد من أن قراء المقال هل يتضاءل ام يزيد بالنسبة لطوله أو لقصره وذلك بنسبة حساسية كل إنسان تقريبا يقرأ مقطعا او اثنين من المقال إذا لذ له، ولكن قليلون جدا هم الذين يقرأون عمودا أو اثنين مهما لذ لهم المقال.
فهم يحاولون أن يحصلوا على زبدة المقال في نقاطه الرئيسية، وواجب المحرر أن يعطيهم هذه النقاط الرئيسية في مقال موجز ، وهنا نصل إلى نقطة مهمة بالنسبة إلى الجريدة الموجزة، أحيانا تأخذ القصة المهمة معاملة مطولة أكثر من القصص الشيقة وتفرض نفسها فرضا .
وقد لوحظ في حالات كهذه أن القصص الصالحة للقراءة وهي التي يقوم عليها رواج الجريدة.
ويصح أن يقال أن التوزيع العام يعتمد مبدئيا على القصص ذات المتعة الإنسانية مثل الرومانسي والمسرحيات، والمآسي في الأخبار.
القصد هنا ليس بالقصص ذات المتعة الإنسانية العابثة، ولكن القصص الحقيقية للحياة الحقيقية التي لها قيمة إخبارية لامعة والتي يقرأها كل إنسان.
فاليوم لا مكان في الجريدة اليومية للجمود ولا مكان للهذر الزائد، ولا مكان للكتابة المصطنعة.
بل هناك فرق بين الكتابة المتدفقة كالإعصار والكتابة السليمة كالنسيم، قد يوجد مكان للصحف البليدة، ولكن المكان الأفضل هو للصحف الموجزة اللامعة.
للعامة اليوم، أشياء أخرى يقومون بها كما سبق ذكرها، أو يسلون أنفسهم بها، أكثر من أن يبذروا أوقاتهم هباء فى قراءة جريدة بليدة ومرعبة مطولة.
بقلم: المرحوم ابن تطوان الكولونيل عبد النبي عبد القادر الجحرة
نقلا عن كتابه: الصحافة علم واختصاص
بريس تطوان
يتبع…