سبتة العالمة :
ظلت مدينـة سـبتة خلال تاريخهـا الإسـلامي مدينـة علمية لم تنطفئ شعلتها.. واستمر عطاؤها طيلة ذاك التاريخ.
وإن الـدارس لتـاريخ سـبتة العلمـي، ليشـعر أثنـاء دراسته لهـذا التـاريخ بالمستوى الرفيع الذي كانت تحياه هذه المدينة المغربية العريقة.. إذ كان التعليم فيهـا منتشـرا في شـتى المراكـز، في المـدارس والمساجد والرباطــات ودور العلمـاء، وكـان ينحصـر في المرحلة الأولى في تعلـم الكتابـة والقراءة وحفظ القرآن، ثم كـان الطلبـة يقبلون على دراسـة العلـوم اللسانية مـن نحـو ولـغـة وأدب وغيرهـا مـن الفنـون الآليـة، فينالون بضـاعة وافـرة تمكـنـهـم مـن بلوغ مسـتوى ثقـافي لائق، ثم كـان الـذين يريدون مواصلة دراستهم والتخصـص في العلـوم ينتقلون إلى المرحلة الأخيرة، فيدرسـون العلـوم الشـرعيـة مـن قـراءات وتفسير وتوحيـد وفقـه وحـديث، وغيرهـا بمزيـد مـن التعمـق والـتمكن في التحصيل.
ولقـد تـضـافرت عوامـل عـديـدة أدت إلى ازدهـار الحركـة العلميـة – والحديثية منها على وجه الخصوص بسبتة -نشير إلى أبرزها:
– تشجيع السلاطين للعلم، واعتناؤهم بالعلماء.
– تشييد المراكز والمؤسسات العلميـة، والتنويـع فيهـا مـن: مـدارس ومساجد ودوروالعلماء.
– إقامة المناظرات العلمية والمجالس الأدبيـة، حتى صـارت سبتة عاصمة من عواصم الأدب والعلم.
– قرب مدينة سبتة مـن الأندلس هيـا لأهلهـا فـرصـة الإفادة مـن مـعـارف الأندلسيين وعلومهم وآدابهم
– أهمية المشيخة العلمية في تنشيط الحركة الفكرية، حيث استوفت مجالسها العلميـة حظهـا مـن المدرسين البـارعين، والشيوخ المسندين الـذيـن كـان الطلبة يستكملون بين أيديهمن.
– كثرة الخزانات العلمية وخاصة للوافدين عليها؟.
– انتشار الربط والزوايا.
– حرص العامة على مجالس العلم فكانوا يجلونها.
الدرس الحديثي بسبتة :
عرف المغاربـة علـم الحـديث خـلال القرون الأولى، وازدهرت فنونـه في مدينة سبتة التي اشتهرت على امتداد تاريخ المغرب بأنهـا دار علـم وحضـارة، وأحـد مراكـز عـلـم الحـديث في الغرب الإسلامي، فالمشتغلون بالحـديث لم
ينقطـع وجـودهـم بهـا، أسسـت فيهـا حـلقـات للـدرس الحـديثي، في المساجد والمراكز وبيوتات العلماء، وتـولى التدريس فيهـا محـدثو سبتة ومـن وفـدوا إليهـا من الذين أثروا الدراسات الحديثية بها.
هـذا – ويجـدر بنـا قبـل الحـديـث عـن مـنهجهم في الـدرس الحـديثي في سبتة أن نطـل إطلالـة ســريعة علـى مـنهـج الـدرس العلمـي بهـا في مفهومه الشامل، حيث إن الـدروس كانـت تتوزعهـا مختلـف العلـوم والفنـون، ويتميـز المنهج العام بجملة من الخصائص والمميزات نشير إلى بعضها.
من خصائص منهج الدرس بسبتة :
1-مـن جهـة طريقة التدريس المتبعة: حيث عرفـت طـرق التدريس طريقـا وسـطـا بـين مدرسـة العـراق التي تتخـذ مـن الكـتـاب المـدروس منطلقـاً للبحث دون التقيد بالنص، ومدرسة القيروان التي تعتمد نص الكتاب.
2- مـن جهـة العنايـة بالنقـل والروايـة: حيـث سـادت العنايـة بالنقـل والروايـة، فكانوا يهتمـون اهتمامـاً ملحوظـاً بتوثيـق النصـوص، وقـد أرسـى
القاضي عياض هذا المنهج، وسار عليـه أعـلام سـبتة فهـذا أبو القاسم التجيبي يرحل إلى المشرق للأخذ والتوثيق، وكذلك فعل ابن رشيد في رحلته .
3- مـن جهـة العناية بالحفظ والاستظهار: حيث اهتم الطلبة بالحفظ أيمـا اهتمام، فوجدنا منهـم مـن يحفظ العديد من المصنفات، بالإضافة إلى ما يحفـظ عـادة مـن المنظومـات، مـن استظهار للقـرآن بمختلف الروايات. كما استظهرت طائفـة مـن كـتـب القـراءات، خاصـة “التيسير” للـداني، الـذي كـان الطلبـة يحفظونـه ضـمن محفوظـاتهـم مـن المتـون. وحفظـت طائفـة مـن كـتـب الحـديث “الموطـا” للإمـام مـالـك و”الشهاب” للحافظ القضـاعي، ومـن كـتـب الفقـه كـانوا يحفظـون : مختصـر الإمـام الطليطلـي والرسـالة للإمـام ابـن أبي زيـد القيرواني، أمـا اللغـة فـمـن كتبهـا الـتي كانـت تعـرض عـن ظـهـر قلـب ، كتـاب “إصلاح المنطـق لابن السكيت”، وكتـاب “الفصيح لثعلب”. أمـا الشـعـر فـكـان هـو المحفـوظ الأول لـكـل دارس، ولا يستغني أي طالـب عـن حـفـظ طائفة أشعار العرب .
4- مـن جهـة تمكين الطالـب مـن اكتسـاب ملكـة التصـرف: حيث إن هذا الإقبال على الحفظ لا يعني انعدام ملكـة التصـرف، وما ينتج عـن ذلـك من قصور يظهر أثناء المناظرة.
الكتاب: السنة النبوية في سبتة العالمة
المؤلف: مجموعة من المؤلفين
بريس تطوان
يتبع…