السكن بالعالم القروي بين الحق وتحدي الاستدامة - بريس تطوان - أخبار تطوان

السكن بالعالم القروي بين الحق وتحدي الاستدامة

رغم تعدد الإجراءات و البرامج التي  تروم تبسيط شروط  الولوج إلى السكن  اللائق، ما زالت القضايا  المرتبطة بمنح رخص البناء تطرح إشكاليات عديدة بالعالم القروي  والتي ازدادت تعقيدا بفعل التحولات البنيوية العميقة التي مست أشكال وطرق تنظيم وأشتغال المنظومة المجتمعية و الترابية  على الصعيد الوطني. ونتج عن ذلك بروز أنماط جديدة للطلب على السكن خاصة بضواحي المدن و على طول الطرق وبمحاذاة الساحل مما يمثل ضغطا إضافيا على الموارد الطبيعية ويشكل تهديدا كبيرا لمستقبل التنمية المستدامة بالعالم القروي.

مواكبة التطور الترابي بالعالم القروي

سعت  قوانين التعمير و البناء  بالعالم القروي إلى التمييز بين  المراكز القروية  و مناطق السكن المتفرق  من أجل تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية و الحفاظ على الموارد الطبيعية خاصة الأراضي الزراعية و الغابوية .إذ لا يزال القطاع الفلاحي يتحكم بشكل كبير في نسب  النمو الاقتصادي السنوية حيث يساهم بحوالي 15 في المائة من الإنتاج الوطني الخام و 10 في المائة من مجموع الصادرات و 14.4 في المائة من القيمة المضافة علما أن العالم القروي يحتضن 37.2 في المائة من مجموع سكان المغرب  و يزاول أغلبهم  نشاطا مرتبط بالقطاع الفلاحي.

و في هذا الصدد،  سعى قانون 1960 المتعلق بتنمية التكتلات القروية  إلى توفير شروط تطور ونمو المراكز القروية وتقريب الخدمات الأساسية من الساكنة القروية خاصة تلك المتعلقة بالتعليم والصحة مع تنظيم الأنشطة الحرفية والتجارية والخدماتية. ويمر تنزيل هذه الأهداف من خلال تغطية المراكز القروية بوثيقة تعمير بسيطة في مسطرتي الإعداد والمصادقة والتي تعرف بمخطط نمو التكتلات القروية.

يهدف مخطط نمو التكتلات القروية إلى تقنين عمليات التجزيء والبناء بالمراكز القروية المعنية بهدف تنظيم مجالاتها الترابية من أجل استقطاب الساكنة القروية. وقد أقر هذا القانون  مجموعة من الإجراءات المرنة خصوصا فيما يتعلق بإحداث  التجزئات العقارية، غير أن الممارسة قد أبانت عن عدم استغلال المرونة التي يتيحها هذا القانون حيث يتضح  أن هناك خلط كبير بين المقتضيات القانونية لقانون 1960 وبين تلك المنصوص عليها في القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات مما يحول دون تطور سلس للمراكز القروية  ويزيد من تعقيد مساطر الترخيص بالبناء.

المراكز القروية مدخل لتنمية العالم القروي:

يكمن الهدف من تنمية المراكز القروية في العمل على إحداث شبكة من المراكز تتطور بطريقة منظمة حتى تستطيع أن تلعب دورا مهيكلا في تنظيم التراب الجهوي والوطني من خلال تقريب الخدمات الأساسية من الساكنة القروية و  كذا توفير بنيات التأطير التقني للأنشطة المرتبطة بالفلاحة. كما أن تطوير هذه الشبكة من المراكز سيوفر للتراب الوطني منظومة مجالية قادرة أن تلعب دورا استراتيجيا في هيكلة المجالات القروية وتصبح حلقة وصل بين المدن والقرى ومنصة ترابية في عملية تحديث العالم القروي.

و قد تم مؤخرا إعادة صياغة هذه الإستراتيجية مجددا من خلال العمل على تنمية و تطوير المراكز القروية الصاعدة وتزويدها بمختلف المرافق و الخدمات الأساسية لتمكينها من لعب دور مركزي في محاربة الهجرة القروية و خلق توازن في إعداد و تنظيم التراب الوطني.

و على العكس من ذلك، يهدف القانون 12.90 المتعلق بالتعمير، و الذي ينظم عمليات البناء بالمجال القروي خارج مدارات المراكز المعنية بتصاميم النمو،  إلى الحد من الانتشار الواسع للتجمعات السكنية المتفرقة غير المنظمة بالعالم القروي.إذ يشكل السكن المتفرق خطرا كبيرا على استهلاك الأراضي ويلحق أضرارا متنوعة بالأنشطة الفلاحية و بالمنظومة  البيئية المحلية و الجهوية بفعل غياب التجهيزات الأساسية خصوصا تلك المتعلقة بتدبير النفايات السائلة والصلبة. لهذا يشترط هذا القانون التوفر على مساحة لا تقل عن هكتار لمباشرة عملية إنشاء بنايات مخصصة سواء لأنشطة اقتصادية أو سكنية لا تتجاوز مساحتها الإجمالية 200 م2 و ذلك حفاظا على الموارد الطبيعية  من خطر زحف البناء العشوائي.

ورغم فرضه لمعايير قانونية وتقنية صارمة تهم المساحة وكثافة البناء، فان القانون نفسه يراعي الحالات التي لا تتوفر فيها شروط المساحة الدنيا حيث يسمح لرؤساء الجماعات الترابية المعنية، وبتنسيق مع المصالح المعنية بالتعمير، بمنح الاستثناء والترخيص بالبناء في مساحات تقل عن الهكتار الواحد شريطة أخد رأي المصالح التقنية لوزارتي الفلاحة والتجهيز للتأكد من أن المشاريع المعنية لا تؤثر على سلامة الأراضي الفلاحية ولا تعرقل حركة السير على الطرقات العمومية.

و من جهة أخرى، و من أجل ضمان توسع أمثل للمدن وحماية المناطق المحيطة بها ، فقد أدرج القانون 12.90 المناطق القروية الموجودة داخل مسافة تمتد إلى عمق 15 كيلومتر من حدود الجماعات الحضرية، ضمن المجالات المعنية بالمقتضيات القانونية التي تطبق على المدارات الحضرية مع إلزامية تغطيتها بتصاميم التهيئة.

ورغم توفير ترسانة مهمة من القوانين و سن مجموعة من الإجراءات، فان إشكالية التعمير والبناء بالعالم القروي ما تزال تطرح نقاشات متعددة وسط الفاعلين المعنيين سواء على المستوى المؤسساتي أو وسط الساكنة المعنية. و تظل مسألة تدبير طلبات رخص البناء من أهم الإشكاليات التي تطرح بشدة حاليا، ويعزى ذلك إلى عدة أسباب ناتجة عن تفاعل عوامل مختلفة يتقاطع فيها الثقافي والاقتصادي والقانوني والتقني والعقاري و الإداري والبيئي.

ظهور أشكال جديدة من الطلب على السكن بالعالم القروي

مند صدور القانون الخاص بنمو المراكز القروية  سنة 1960  والقانون  المتعلق بالتعمير سنة 1992،عرف التراب الوطني تحولات بنيوية  عميقة بفعل تغير العلاقات التقليدية بين المجالين الحضري والقروي والتي تعكس في الأساس التغيرات الجوهرية التي همت البنيات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي بفعل تحول أنماط الإنتاج والاستهلاك و بفعل حركية  الهجرة  وتوجه تيارات كبيرة  من سكان البوادي نحو المدن.

وبسبب عدم  قدرة المنظومة الحضرية  على الاستجابة للطلب المتزايد على السكن، فقد أصبحت ضواحي المدن هي الوجهة الأساسية للطامحين في امتلاك السكن والراغبين في الاستفادة من امتيازات القرب من المدينة ومن البنيات التحتية والتجهيزات العمومية التي تتوفر عليها.

و في هذا الإطار، يتم تبني استراتيجيات متعددة من طرف الفاعلين المعنيين بتملك السكن والتي تختلف حسب حجم الرأسمال  المادي والرمزي المتوفر  لدى كل فاعل على حدة  و الذي يتشكل  من أرصدة مالية و من معلومات وأخبار حول ما توفره السوق العقارية بضواحي المدن من فرص من خلال شبكات متنوعة من المعارف والوسطاء. و لا يقتصر هذا الأمر فقط على المهاجرين القرويين القدامى والجدد، بل يهم أيضا فئة عريضة من سكان المدن نفسها والتي استعصى عليها أمر تملك المسكن داخل مدنها، فتوجهت إلى الضواحي لتحقيق إستراتيجيتها الخاصة بالتملك.

 ضغط كبير ومستمر على ضواحي المدن:  

أضحت ضواحي المدن مؤخرا، خاصة الحزامين الثاني و الثالث، وجهة مفضلة لفئة مهمة من الساكنة الحضرية الراغبة في التوفر على سكن فردي، سواء أساسي أو ثانوي وبمساحة نسبيا كبيرة، من أجل الاستفادة من هدوء البادية وإمكانيتها الطبيعية والابتعاد عن ضجيج المدن مع البقاء بالقرب منها خصوصا مع ما توفره حاليا وسائل النقل الخاصة من حرية  في التنقل. و قد أصبح هذا التوجه يأخذ أبعادا خطيرة وينتشر بشكل مكثف خصوصا في ضواحي المدن الكبرى مما يساهم بشكل كبير في الاستهلاك المفرط للأراضي الزراعية خاصة مع  تزايد ظاهرة المضاربة العقارية التي تكون موضوعها هذه الأراضي والإغراءات المالية التي لا يمكن أن يقاومها ملاكها في غياب آليات قانونية لحماية العقارات المعنية. ويتأكد ذلك حينما نعلم أن 30 في المائة من البنايات المشيدة سنويا تقام على أراض زراعية محيطة بالمدن دون تخطيط مسبق.

كما تساهم الضبابية التي تميز الوضع القانوني لضواحي المدن في سرعة انتشار السكن ذو الطابع الحضري، حيث تعتبر هذه الضواحي ترابا ينتمي إلى الجماعات القروية إداريا لكنها على المستوى الوظيفي فهي مناطق تابعة للمدن المجاورة وتشكل المجال الحيوي لتوسعها المستقبلي. و قد افرزت هذه الوضعية المبهمة “غموض” في طرق تدبير هذه المجالات الحساسة مما يطرح عدة إشكاليات تهم كيفية معالجة طلبات رخص البناء بهذه المناطق.

و بفعل الطبيعة الفلاحية لأغلبية هذه الأراضي وضعف نسبة التحفيظ العقاري ، بالإضافة إلى غياب رؤية عملية لدى المؤسسات المعنية بمسالة تكوين احتياطيات عقارية لاستيعاب التوسع المستقبلي للمدن، جعل المجالات المحيطة بالمدن موضوع تقسيمات عقارية عشوائية ومتتالية أدى إلى تشتيت الوعاء العقاري مما يعرقل عملية تعبئة العقار بطريقة احترافية قصد إنجاز تجزئات سكنية أو مناطق صناعية أو مشاريع سياحية و خدماتية طبقا للمعايير العمرانية والتقنية التي تحددها قوانين التعمير.وبالتالي فقد أصبح السكن الفردي والبناء الذاتي هو المهيمن على نوعية الطلب على رخص التعمير بهذه المناطق دون توفر البنيات التحتية والمرافق العمومية. و قد تسبب ذلك في انتشار أحياء شبه حضرية غير منظمة و ناقصة التجهيز مما يستدعي التفكير في ابتكار حلول و طرق جديدة لتدبير المجالات الضاحوية سواء من الناحية الإدارية أو من الناحية التعميرية.

الساحل والمحاور الطرقية: مجالات أخرى تحت الضغط

يتجسد تغير أنماط السلوك وانتشار نمط العيش الحضري الحديث في ارتفاع الطلب على السكن الثانوي الفردي بالمناطق التي تزخر بمناظر طبيعية متميزة حيث يلاحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع الطلب على السكن الثانوي بتراب الجماعات القروية المطلة على الساحل مما شجع على انتشار ظاهرة التقسيمات العقارية غير القانونية بهذه الجماعات.وقد ترتب عن ذلك انتشار كبير للسكن  الثانوي الفردي الذي يكون له آثار سلبية على المنظومة الايكولوجية للساحل وعلى المشهد الطبيعي ككل رغم أن الساحل أصبح موضوع حماية قانونية من طرف القانون مند سنة 2015 والذي أقر ضوابط صارمة للحفاظ على مقومات هذا المجال الهش.

ومن مظاهر التحولات الكبرى الجديدة، والتي مست تنظيم التراب الوطني،  ارتفاع الطلب على  تملك السكن الفردي ذو الطابع الحضري على طول المحاور الطرقية بفعل انتشار الاستعمال الكثيف لوسائل النقل الخاصة،. وقد نتج على اتساع رقعة هذا النوع من الطلب انتشار تعمير خطي له انعكاسات جد خطيرة على حركة السير على الطرقات و  كذا على الاستهلاك المفرط  للأراضي الفلاحية كما يؤثر سلبا على المناطق ذات الخصوصيات الايكولوجية والبيئية الهشة علما أن ربط هذه المناطق بالبنيات التحتية وتوفير التجهيزات العمومية تتطلب استثمارات ضخمة  في ظل انعدام الجدوى الاقتصادية بالنظر لضعف الكثافة السكانية.

ويؤدي امتداد السكن بشكل خطي على طول الطرقات الرئيسية إلى تشويه المشاهد الطبيعية بسب الحاجز المرئي الذي تشكله البنايات القائمة ويكون له انعكاس خطير على الأنظمة البيئية و يؤدي إلى تلويث مجاري المياه بفعل الطرق العشوائية المستعملة في التخلص من النفايات السائلة والصلبة.

نحو بناء مستدام بالعالم القروي

يعد بناء المسكن حق مكفول لكل مواطن ما دام له الحق في التصرف في ملكيته العقارية. لكن هذا الحق يبقى مقيدا لان الفصل 35 من دستور 2011، والذي ينص على أن حق الملكية حق مضمون بقوة القانون، و هو الفصل نفسه الذي يقيد كذلك حق التصرف في الملكية ويلزم صاحبها احترام القوانين والضوابط المعمول بها من أجل تحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

وفي هذا السياق، تعتبر قوانين التعمير من القوانين المنظمة لحقوق التصرف في الملكية العقارية وتحد من حق هذا الاستعمال من أجل تنظيم أمثل للمجال وحماية المناطق الهشة المعرضة للخطر بفعل الضغط البشري.ويتطلب ذلك مراقبة دائمة لكيفية استعمال الأراضي ويقظة مستمرة لأشكال استغلالها بفعل خصوصيات مكوناتها الطبيعية والايكولوجية.

وتأسيسا على ما سبق، فان القاعدة الدستورية المتعلقة بشروط استعمال حق الملكية العقارية تنطبق على العالم القروي بامتياز لكونه يعد مجالا حيويا نظرا لتواجد الأراضي  الفلاحية التي تلعب دورا استراتيجيا في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد. لذا فان كل استغلال مفرط لهذه الأراضي يشكل تهديدا للثروة الغذائية.

و بالفعل، فقد بلغت حدة استهلاك الأراضي  الفلاحية من طرف البناء الذاتي مرحلة جد حرجة حيث تفقد أكثر من 4.000 هكتار سنويا  من احتياطاتها ، مما يشكل تهديدا وجوديا لمستقبل هذه الأراضي التي لا يمكن تعويضها،  لكون إنتاج التربة الخصبة يتطلب آلاف السنين في سياق مناخي يطبعه التغير المستمر مما يستدعي تدبير عقلاني و مستدام للثروات الطبيعية.

كما أن حماية المجالات القروية الأخرى مثل الساحل والغابات والمناطق الرطبة ومصادر المياه من انتشار السكن والاستعمالات الأخرى الملوثة تعد ضرورة ملحة للحفاظ على المنظومات الايكولوجية للعالم القروي والتنوع البيولوجي والتي تعتبر أنظمة طبيعية غير متجددة وسهلة الإتلاف. لذا، فان اعتماد منهجية التعمير المستدام من خلال تفعيل المقتضيات القانونية المتوفرة و البرامج التنموية سيساهم بشكل عملي في الحفاظ على الثروة الطبيعية القروية والاستجابة للحاجيات الحقيقية للساكنة القروية في ميدان السكن.

إن وضع مخططات تعمير للمراكز القروية و تفعيل مضامينها سيساعد على استقطاب الساكنة القروية والحد من انتشار السكن المتفرق والهجرة القروية.اذ تحتوي وثيقة التعمير على برامج تنموية ترابية تتضمن مختلف حاجيات الساكنة المحلية من سكن وخدمات وأنشطة اقتصادية ورياضية وثقافية.كما أن تفعيل مضامين هذه البرامج يمكن أن يتم من خلال عقد شراكات بين مختلف الجماعات الترابية خاصة الجهات والمجالس الإقليمية والجماعات الترابية المعنية من جهة أو بينها وبين الدولة من جهة أخرى، خصوصا إذا علمنا أن الدولة قد وضعت برامج متعددة تهم تنمية الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية والبيئية للعالم القروي. و في هذا الإطار، يسعى برنامج تنمية المراكز القروية الصاعدة إلى تقوية دور هذه المراكز في تنظيم التراب الوطني لتكون قاعدة صلبة في تحديث العالم القروي وخلق التوازن بين البوادي والحواضر.

كما أن مواصلة تطوير الاجتهادات القانونية والتقنية لمواكبة الطلب على رخص البناء في التجمعات القروية التقليدية، من خلال تحديد مدارات الدواوير التي ستستفيد من الإجراءات المتعلقة بالمرونة في التعمير و الموافقة عليها ،  سيساهم في دراسة طلبات رخص البناء بلونية أكبر مراعاة لخصوصياتها وتشجيعا للسكن المتجمع بالجماعات الترابية القروية.وسيؤدي ذلك في تثبيت الساكنة المحلية بهذه الأنوية السكنية الأصيلة  ويسهل أيضا من عملية توفير الخدمات الأساسية بالنظر لكثافتها السكانية. وسيشكل ذلك أيضا عاملا مساعدا للحفاظ على التراث المادي واللامادي لمختلف المناطق القروية باختلاف خصوصياتها الطبيعية والثقافية وسيساعد في تنمية السياحة القروية بمختلف أشكالها.

لذا فان تفعيل القوانين المختلفة، مثل قوانين الساحل و الماء و حماية الأراضي الفلاحية وتلك المتعلقة بحماية الغابات والمناطق الرطبة والتنوع البيولوجي، سيزيد  من درجة حماية الثروات الطبيعية للعالم القروي لتلعب دورا تكامليا مع قوانين التعمير من أجل توفير شروط الاستدامة و الحفاظ على البيئة و المناظر الطبيعية وحماية الهوية البصرية والطبيعية والثقافية للعالم القروي.

وخلاصة القول، فان تدبير رخص البناء يجب أن يراعي خصوصيات العالم القروي ككل. فمن جهة يجب مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية لغالبية الساكنة المحلية وكذا الإشكالات القانونية خاصة تلك المتعلقة بالعقار من خلال اعتماد الليونة في دراسة طلبات رخص البناء، ومن جهة أخرى يجب حماية الثروات الطبيعية والتي تتعرض لضغط بشري كبير ومستمر.

وللتوفيق بين مبدأ الحق في السكن ومبدأ الاستدامة، يجب  التمييز بين الحاجيات الفعلية للساكنة القروية من السكن وبين الأشكال الأخرى خاصة المرتبط بالسكن الثانوي لأغراض ترفيهية وسياحية والذي ينجز في إطار مبادرات فردية وغير منظمة ويكون له انعكاسات سلبية على المنظومة القروية ككل. إذ أن استمرار وتيرة الضغط الكبير على الموارد الطبيعية، خاصة على الأراضي الفلاحية والمجالات الساحلية وبمحاذاة مجاري المياه والأنهار وقرب الغابات، سيكون له عواقب وخيمة على استدامة العالم القروي وعلى مستقبل التنمية ككل.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.