الرسل عليهم الصلاة والسلام، والمدافعة بين ثقافة الرحمة وثقافة الاستكبار (الحلقة الأولى) - بريس تطوان - أخبار تطوان

الرسل عليهم الصلاة والسلام، والمدافعة بين ثقافة الرحمة وثقافة الاستكبار (الحلقة الأولى)

عن سلمان الفارسي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

إن الله خلق، يوم خلق السماوات والأرض، مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض؛ فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة([1]).

وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:

لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه على نفسه، فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي([2]).

فالله – عز وجل- الرحمن الرحيم، خلق الخلق والكون بالرحمة، ولهدف أن تسود الرحمة بين أفراد المخلوقات، وبينهم وبين أحياء الكون وأشيائه:

الراحمون برحمهم الرحمن، ارحموا حتى في الأرض، يرحمكم من في السماء([3]).

لقد خلق الله تعالى الإنسان من طين وروح:

﴿ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾[ص: 70-71]

الطين يشد الإنسان إلى الأرض، إلى المادة، بكل ثقلها، ومغرياتها، بل وبنزواتها، وكل ذلك حافز مُهِمٌ على عمارة الأرض واستخراج خيراتها، وتجميلها؛ أي أن ذلك لحكمة؛ والروح تشده إلى السماء، بكل تطلعاتها، وأشواقها، وسموها؛ من أجل تحقيق التوازن بين مطالب المادة ومطالب الروح.

في نفس الآن، كرم الله الإنسان، وخلق من أجله كل مقدرات الكون:

﴿ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا﴾.

[البقرة: 28]

﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه﴾. [الجاثية: 12]

وحمل الإنسان أمانة الرحمة في الحياة: الرحمة بنفسه، وبالآخرين، وبالأحياء والأشياء: ﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان﴾.  [الأحزاب: 72]

وليقوم الإنسان بعبء حمل الأمانة على أكمل وجه، زوده الله تعالى بطاقة عقلية ووجدانية لها اتجاه وشوق نحو الرحمة، ونحو الاستقامة بعامة، سماها الله، عز وجل، الفطرة:

ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، كما تنتج البهمة بهيمة جمعاء([4])، هل يحسون فيها من جدعاء([5])؟ ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: ﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله﴾. [الروم: 29] ([6])

ولضمان سلامة الفطرة من الآثار السيئة للمحيط الاجتماعي، ولتنشيط فعاليتها، لم يشأ الله تعالى، الرحمن الرحيم أن يهمل الإنسان على الأرض، وإنما تفقده بالرسالات السماوية المتتالية، المتضمنة لعبادة الله تعالى في كل الحركات والسكنات: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذريات: 56]

وذلك كلما دعت الحاجة، منذ أول رسول،: آدم، عليه الصلاة والسلام حتى آخرهم: محمد بن عبد الله، عليه الصلاة والسلام، مرورا بمئات الرسل بينهما: ﴿ فإما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا حقوق عليهم ولا هم يحزنون﴾. [البقر:37]

﴿ فإما ياتيكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى﴾. [طه: 121]

إن الرسالات السماوية أو الدين بمكوناته الثلاث: العقيدة والشريعة والأخلاق، تعمل لتقوية الفطرة في اتجاهها، وفي أشواقها، وفي قيامها بمهمة الرحمة، بل وفي إنقاذ الإنسان من الوهدة التي قد تصيبه عندما يختل التوازن بين الطين والروح؛ حيث يتدخل عدو الإنسان المتربص: إبليس اللعين بواسطة النفس الأمارة بالسوء؛ لأن اللعين أقسم أمام الله، عز وجل: أن يوسوس بالشر لبني آدم، ليحرفهم عن سواء لبسبيل: ﴿ فبعزتك لأغويهم أجمعين﴾. [ص: 81]

﴿ فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا يجد أكثرهم شاكرين﴾. [الأعراف: 15-16]

إلا أن تكريم الله تعالى للإنسان يجعل مواقفه وسلوكاته ناتجة عن وعي وإرادة، يبتلى بالمحتملات، ويختار من بينها بأخلاقية، مستجيبا لدواعي الفطرة، ولتوجيهات الدين: ﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا﴾  [الإنسان: 2-3]

﴿ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها﴾.  [الشمس: 8-10].


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.