الرسل عليهم الصلاة والسلام، والمدافعة بين ثقافة الرحمة وثقافة الاستكبار (الحلقة السادسة ) - بريس تطوان - أخبار تطوان

الرسل عليهم الصلاة والسلام، والمدافعة بين ثقافة الرحمة وثقافة الاستكبار (الحلقة السادسة )

ملامح الرحمة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

آخذ ملمحين من الخصائص المحمدية، الأول يتصل بالحياة الدنيا والثاني يتصل بالحياة الآخرة.

أ- فيما يتصل بملمح الرحمة في الحياة الدنيا ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

«سألت ربي ثلاثا: فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة([1])،فأعطاينها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق، فأعطاينها، وسألته ألا يجعل بأسهم([2]) بيتهم، فمنعينها»([3]).

وفي رواية بصيغة قدسية:

﴿وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم([4])، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا ([5]).

فالأمة المحمدية، بفضل دعاء رسولها، عليه الصلاة والسلام، محفوظة من القحط الشامل، ومن الغرق الشامل بمياه البحر أو البر، ومحفوظة كذلك من استباحة العدو الخارجي لها، لأرضها، ودينها، وحضارتها، إلا أن يوجد أعداء الأمة المسلمة في داخلها، يخدمون مصالح العدو الخارجي، فيحملون على دباباته، كما هو حاصل اليوم في أفغانستان وفي العراق.

ب- وفيما يتصل بملمح الرحمة في الآخرة، توجد الشفاعة الكبرى وأنواع من الشفاعات، يرحم الله تعالى بها من ماتوا على الإيمان من العصاة وأصحاب المعاصي الكبائر؛ حيث يقف الناس يوم القيامة على أرض المحشر في حالة من الكرب لا مزيد عليها، فيرجون الشفاعة إلى الله تعالى في تخفيف الكرب من الأنبياء: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم الصلاة والسلام، فيعتذر الكل إلا محمداً، صلى الله عليه وسلم، الذي يقول:

«فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجداًُ لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه، شيئا لم يفتــحه لأحدٍ قبلي، ثم يقــال:

يا محمد، ارفع رأسك سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال، يا محمد، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك»([6]).

فهذه شفاعة شاملة للبشرية كلها، الأمة المحمدية، والأمم غيرها، وهناك شفاعة خاصة بالأمة المحمدية يقول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم:

«لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجَّل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة – إن شاء الله- من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا»([7]).

وهناك شفاعات أخرى ذات صلة بشفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم، منها شفاعة القرآن كله أو بعضه، فيما يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: إن سورة من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل، حتى غفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك([8]).

ومنها شفاعة بقية الأنبياء، عليهم السلام، وشفاعة الملائكة، والشهداء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

«ثم يؤذن للملائكة، والنبيئين والشهداء، أن يشفعوا، فيشفعون ويخرجون، ويشفعون ويخرجون([9])، ويشفعون ويخرجون، من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان» ([10]).

ويشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته([11]).

وكذلك يشفع المسنون الذين ماتوا بعدما جاوزوا تسعين سنة من عمرهم، يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن المسن المؤمن: « إذا بلغ التسعين، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسمي أسير الله في أرضه، وشفع لأهل بيته»([12]).

ويشفع كذلك من صلوا على الميت صلاة الجنازة، إذا كانوا أربعين فأكثر، يقول الرسول عليه السلام: «ما من رجل يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه»([13]).

وأيضا يشفع الأولاد الصغار الذين ماتوا قبل البلوغ، يقال لهم يوم القيامة: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم([14]).

وفي ختام الشفاعات تأتي شفاعة الله عز وجل: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، في حديث قدسي:

﴿ يقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيئون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ﴾([15]).

ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام:« ثم يتحنن الله برحمته على من فيها([16])، فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال حبة من إيمان، إلا أخرجه منها»([17]).

([1])- الجفاف والقحط.

([2])- مقاتلة بعضهم لبعض

([3])- صحيح الإمام مسلم، رقم: 2.890

([4])- أرضهم

([5])- صحيح الإمام مسلم رقم: 2.889

([6])- صحيح الإمام مسلم، رقم: 327

([7])- صحيح الإمام مسلم ، رقم: 338.

([8])- مسند الإمام أحمد ج2، ص 299، وسنن ابن ماجة، رقم .3.053

([9])- من النار.

([10])- مسند الإ67مام أحمد ج4، ص: .43

([11])- صحيح سنن أبي داود، رقم .2.200

([12])- مسند الإمام أحمد، ج3، ص 218، بتحقيق ومسند أحمد شاكر.

([13])- صحيح الإمام مسلم، رقم:948.

([14])- صحيح سنن النسائي، رقم: 1.770 ومسند الإمام أحمد، ج2، ص: 510.

([15])- صحيح الإمام مسلم، رقم: 183.

([16])- في النار.

([17])- مسند الإمام أحمد ج3، ص: 12.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.