الحكامة القضائية في المغرب: العقوبة البديلة كركيزة للإصلاح و الشفافية
نهج المغرب سياسة جادة في إصلاح نظامه القضائي من خلال اعتماد قانون العقوبات البديلة رقم 43.22، الذي سيدخل حيز التنفيذ في غشت 2025، ويعرف الفصل 1-35 منه هذه العقوبات أنها بديلة للعقوبات السالبة للحرية بشروط محددة تهدف إلى إعادة الإدماج والتأهيل والحد من العود، مع التزام المحكوم عليه بالمقتضيات المقررة في الحكم أو المقرر التنفيذي.
حسب الفصل 3-35 من القانون 43.22، لا يمكن الحكم بالعقوبة البديلة في بعض الجرائم كجرائم الإرهاب، الاختلاس أو الغدر و الرشوة، استغلال النفوذ، غسل الأموال، تبديد الأموال العمومية، الجرائم العسكرية، الاتجار الدولي في المخدرات و الأعضاء البشرية، و الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة، ويكمن استبدالها فقط في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المقررة فيها خمس سنوات حبسا نافذا، كما لا يجوز الحكم بها في حالة العود، مع مراعاة خطورة الفعل المرتكب والظروف الاجتماعية للمحكوم عليه وقابليته للادماج، وجاء في الفصل 4-35 أن الإخلال بالتنفيذ يؤدي إلى تنفيذ العقوبة الأصلية.
ويتبنى النظام القضائي المغربي عدة أشكال من العقوبات البديلة، بأهداف اجتماعية محضة، فصلتها المادة 2-35 من القانون 43.22، على رأسها العمل لأجل المنفعة العامة، فالخدمة الاجتماعية كعقوبة بديلة، تهدف إلى تعزيز المسؤولية الاجتماعية للمحكوم عليهم، لإن القيام بأعمال تخدم المجتمع، مثل العمل في المستشفيات أو المؤسسات التعليمية أو حتى المشاركة في برامج التنظيف البيئي، يعود بالنفع على المجتمع أولا ويساهم ثانيا في غرس قيم العطاء والمشاركة لدى المحكوم عليه.
وتتولى المحكمة إضافة إلى النطق بحكم العقوبة البديلة، تحديد المؤسسة أو الهيئة المستفيدة من العمل وساعات العمل المحددة ما بين 40 إلى 3600 ساعة، بينما تسهر النيابة العامة على تلقي تقارير شهرية عن تنفيذ العقوبة، وأخرى مفصلة تتضمن سير التنفيذ، وتلقي تقرير انتهاء تنفيذها.
فيما يتلقى قاضي تطبيق العقوبات تقارير شهرية عن تنفيذ عقوبة العمل، وتقرير انتهاءها، والتوقيف المؤقت لتنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة، وتتكلف إدارة السجون بتتبع وإنجاز تقارير شهرية عن التنفيذ، وإشعار قاضي تطبيق العقوبة في حالة الإخلال بالتنفيذ، إضافة إلى زيارات دورية لأماكن تنفيذ عقوبة العمل.
وتعتبر المراقبة الإلكترونية تقنية حديثة لمتابعة المحكوم عليه عن بعد، سواء في مكان إقامته أو في أماكن محددة يُسمح له بالتواجد فيها في مدة تحددها المحكمة طبقا للفصل 10-35، فهي عقوبة بديلة تسمح للمحكوم عليه بالبقاء ضمن بيئته الاجتماعية والأسرية، مع ضمان الالتزام بالقيود القضائية المفروضة عليه، حيث تتلقى النيابة إشعارات بخصوص كل إخلال في التنفيذ، فيما يختص قاضي تطبيق العقوبات بإصدار قرارات تحدد نوع المراقبة الإلكترونية وآجال تنفيذها، الرجوع إلى العقوبة الأصلية، أو بتمام تنفيذها بناء على تقرير مدير السجن، الذي بدوره يقوم بتنسيق وتتبع عمليات المراقبة الالكترونية مركزيا ومحليا.
كما أن تخصيص الأموال المحصلة من الغرامات المالية كبديل للعقوبة الحبسية، يدعم المصلحة العامة، فهو يحول العقوبة إلى مساهمة إيجابية في التنمية المجتمعية، عبر دعم مشاريع البنية التحتية أو برامج المساعدة الاجتماعية، وقد حدد المشرع قي الفصل 35-15 قيمة هذه الغرامة والتي تتراوح بين 100 درهم كحد أدنى و2000 درهم كحد أٌقصى لليوم الواحد، والتي تحددها المحكمة بناء على الفصل 14-35، ويمنح قاضي تطبيق العقوبات إذنا بتقسيط الأداء شريطة دفع النصف، وفي حالة الإخلال يصدرا أمرا بالرجوع إلى العقوبة الأصلية مع خصم عدد الأيام المؤداة، وتحرر إدارة السجون تقريرا سواء في حالة الأداء أو الإخلال.
أما التدريب المهني والتأهيل يعد استثمارًا في مستقبل المحكومين عليه، فالانخراط في برامج تدريبية وتأهيلية تعدهم لسوق العمل، مما يزيد من فرصهم في الحصول على وظيفة بعد انتهاء مدة عقوبتهم، الشيء الذي يساهم بشكل كبير في إعادة إدماجهم الاجتماعي والتقليل من احتمالية العودة إلى الجريمة.
رغم أن مشاريع القوانين الحالية في المغرب تطمح إلى توسيع نطاق تطبيق العقوبات البديلة لتشمل نطاق أوسع من المحكوم عليهم، والتخفيف من اكتظاظ السجون، وإعادة تأهيل السجناء والارتقاء بمجتمع منتج بأفراد مسؤولين، وتعزيز العدالة التصالحية وتحقيق التوازن المجتمعي، إلا أن هناك تحديات قد تعيق تحقيق هذه الأهداف، من بينهما النظر إلى العقوبة البديلة كتساهل مع الجاني، الأمر الذي يتطلب التوعية بأهداف هذه العقوبة وآثارها الإيجابية على الفرد والمجتمع، أضف إلى ذلك الافتقار لبرامج الدعم النفسي والاجتماعي والأنظمة الالكترونية المتطورة، وأيضا يحتاج تطبيق العقوبات البديلة إلى تعاون مستمر بين الجهات القضائية والأمنية والمؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدني، الشيء الذي يضمن سير العملية بسلاسة وفعالية، من إصدار الحكم إلى تنفيذ العقوبة ومتابعة المحكوم عليه.