التليفزيون يوطد دعائمه في المجتمع العربي - بريس تطوان - أخبار تطوان

التليفزيون يوطد دعائمه في المجتمع العربي

التهم التي تكال للتلفزيون لا حصر لها. ربما كان ذلك راجعا لما نشاهده من غلبة هذه الأداة العصرية الإلكترونية، وتسيدها، واستئثارها بوقت الفراغ عند الناس، إن لم يكن كله فجلُّه لا سبيل إلى إنكار أثرها أو التقليل من شأن هذا الأثر على أدوات الاتصال الجماهيرية الأخرى، وأوضح دليل على ذلك أننا نشاهد السينمائيين والمسرحيين وإذاعيي الراديو يتحولون جماعات نحو هذه الأداة المتفوقة الخلابة ويتخذونها مجالا لمناشطهم وإنتاجهم… في حين كان حقا عليهم أن يصمدوا ليطوروا فنونهم ويدفعوا عجلة الابتداع والابتكار فيها، حتى يقووا على فعالية هذا المنافس العنيد والغازي الجديد الذي يغزو الناس في عقر دارهم. در في شوارع العواصم العربية الرخية أثناء عرض المسلسلات التلفزيونية أو نهائي كرة القدم فستجدها خالية من المارة ساكنة كالمقابر ؟! والحصة الكبرى من ميزانية الإعلان التجاري يلتهمها التلفزيون، وأدسم الأجور لا تخرج إلا من خزانة التلفزيون !

ما حيلة التلفزيون في جاذبيته… وما ذنبه إذا تأذى منها منافسوه ؟ أحرى بها أن تكون حسنة تحسب له لا عليه.

إنما التهم التي تكال للتلفزيون لا تكال إليه من منافسيه بل من الباحثين وعلماء الاجتماع. يقولون إنه يجسم العنف على شاشات التلفزيون تجسيما يغري النشء بصفة خاصة على ممارسته. ويقولون إنه يوسع دائرة الجريمة بما يكشف من أساليبها وخباياها كشفا خليقا بأن يكون إيحائي الأثر وخاصة عند ضعاف النفوس المهزوز تكوينهم العصبي.

ويقولون إنه قد يولد لدى الناس حالة من السلبية وبعبارة أخرى يشيع الخمول بين الصغار والكبار.

ويقولون أن التلفزيون ينشئ جيلا من الأميين. فالإدمان على المشاهدة التلفزيونية، وتسمّر الإنسان أمام الجهاز يشل تفكيره وتنشل معه أو نتيجة له عادة الإطلاع والقراءة وغيرها من وسائل تحصيل المعرفة، وهذه هي الأمية الحديثة.

الحقيقة أن سلبيات التلفزيون هذه في مجملها صحيحة يقوم عليها أكثر من دليل، صحيحة ولا ينبغي للمجتمع الإنساني أن يتغافل عنها كما يتغافل مثلا بقدر غير قليل من اللامبالاة عن الأذى القتال الذي يسببه التدخين. بيد أن في مقابل سلبيات التلفزيون هذه، إيجابيات عظيمة، محققة، واضحة المعالم.

التلفزيون بادئ ذي بدء كما أشرنا أداة ساحرة جذابة كالمغناطيس. وهي أداة جامعة موحدة لاشك أنها أداة التوحيد الإنساني في المستقبل – قرب هذا المستقبل أو بعد. والتلفزيون – دون غيره – هو الأداة التي يتعرف المرء من خلالها في يسر على ذاته وعلى خبيئة النفوس. ويجد فيها امتدادا لحواسه وإكمالا لأحاسيسه. ومن هنا كانت طاقة التلفزيون وقدراته الإعلامية والتعليمية شيئا جبارا لا نظير له ولا يعلى عليه. غير أن هذه الطاقة في حاجة إلى من يتفهم أعماقها وأبعادها تفهما دقيقا، وفي حاجة إلى تضافر عشرات الفنيين الذين تتطلبهم عملياتها العلمية المعقدة. قد تكون الدول النامية أمس حاجة إلى تفهم هذه الحقيقة فمعظمها تتناول الأداة تناولا فائق التسطح بالغ السذاجة. فهي لا تكف عن عرض المصورات والأفلام الواردة التي تستثير النفوس وتهيج الشعور وتهز الأعصاب وترسخ في الأذهان فهما خاطئا لوظيفة الأداة. وهذا هو الجانب السلبي الذي لا يلقى بالا إلى النواحي الإعلامية والتعليمية وهي المحركة لدولاب التنمية والتطور والفكر.وقد تكون بعض هذه الدول في تناولها للأمور بمثل هذا الشكل القاصر تتصرف عن جهالة ظنا منها أن وظيفة الجهاز وظيفة ترفيهية صرفة. وقد تكون ضحية سوء النية فبعض الحكومات التي تسيطر عليه أو تسلمه للتجار تجعل منه ملهاة تلهي الناس عن السياسات التي ينبغي لهم أن يناقشوها ويدلوا بآرائهم فيها.

وقد تكون هذه الدول فاقدة الإرادة بمعنى أنها لا تجد ما يقيم أودها أي المخصص المالي الذي تنفق منه أو الخبير الذي ينشئ البرامج ومن ثم لا تجد سبيلا إلا أن تعتمد على فيض المحسنين أو غير المحسنين من إنتاج غث يمنحونه لها بالمجان أو بما يشبه المجان. أداة التلفزيون في كل الأحوال غير ملومة فهي كما رأينا مؤثرة قوية الفعالية. إذا كان هناك من يلام فهو القائم عليها المحرك لسياستها وصانع برامجها بيده أن يجعل منها أداة ناشرة للأذى والضرر إذا اقتصر على إبراز وجوهها السلبية، وبيده أن يجعل منها أداة خير نافعة إذا أبرز وجوهها الإيجابية وما أكثرها وأسعد الناس بها لو أنصفت وتوازنت وأخذت في الاعتبار احتياجات المجتمع الجوهرية.

والله الموفق/24/10/2008


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

2 تعليقات
  1. مزاوري محمد يقول

    فقط لاجل الاستفسهام ، هل كاتب المقال وقعه بالتاريخ ادناه ، ام له تاريخ سابق للامانة العلمية فقط

  2. مزاوري محمد يقول

    ماه هي التحولات التي عرفها التلفزيون كوسيلة اعلام بعد 16 سنة من كتابةى المقال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.