نشر مؤخرا أحمد الشرعي، صاحب المجموعة الإعلامية “غلوبال ميديا هولدينغ” ومدير نشر مجموعة من المؤسسات الإعلامية الكبرى بالمغرب، مقالا بالموقع الإسرائيلي “ذي تايم أوف إسرائيل” انتقد فيه بقوة قرار المحمة الجنائية الدولية القاضي بإصدار مذكرة اعتقال كل من نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية وغالانت وزير دفاعها السابق، لأنها بذلك “تخاطر بمصداقيتها، وتكشف عن نفسها كمؤسسة “مسيسة بدلا من كونها حكما محايدا للعدالة”، وأضاف قائلا: ما ” أقدمت عليه المحكمة الدولية من إجراءات ضد زعيم حكومة ديمقراطية يثير تساؤلات خطيرة حول شرعية المحكمة ونزاهتها”.
من جهة ثانية اعتبر أحمد الشرعي في دفاعه عن جرائم الحرب وحرب الإبادة التي تدبرها وتخوضها حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، أنه يتعين النظر إليها باعتبارها مجرد رد فعل “على الهجمات الوحشية التي شنتها حماس”.
سأضع جانبا العديد من الإشكالات التي وردت في المقال المذكور حول تقييم عملية 7 أكتوبر، وجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والدور الإيراني في مجرى الأحداث…الخ لأن كل واحدة من هاته النقط، رغم تداخلها وتشابكها الأكيد، تحتاج إلى موضوع مستقل لمعالجتها مستقبلا، لذا سأقتصر في هذا التعقيب على زاوية محددة تتعلق بحدود العلاقة ما بين حرية التعبير والإشادة بالإرهاب.،
بالنسبة للعديد من المنظمات الحقوقية المعروفة في العالم مثل هيومان رايتس ومنظمة العفو الدولية (التي لا يمكن اعتبارها في حال من الأحوال، منحازة لسردية “حماس” لكونها تطرقت بإسهاب وأدانت العديد من ممارسات الفصائل الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر من قبيل اختطاف عجزة وأطفال)، فإن ما ترتكبه إسرائيل منذ أزيد من سنة في قطاع غزة من انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني يندرج طبقا للقانون الدولي (المادة 8 من نظام روما الأساسي واتفاقيات جنيف) في إطار”التصفية العرقية” و”جرائم حرب”.
ضمن هذا السياق، تظل إحدى السمات الرئيسة لما يجري في غزة كون العالم يجد نفسه يقف عاجزا ومتفرجا في جرائم جماعية تندرج ضمن خانة الإرهاب، الذي لا ترتكبه منظمة أو جماعة متطرفة دينيا أو إيديولوجيا، بل أمام “إرهاب دولة” هي عضو في الأمم المتحدة وتسوق لنفسها في الغرب صورة ” واحة الديمقراطية” في الشرق الأوسط.
فعندما تلجأ إسرائيل إلى العنف المنهجي ضد المدنيين، وتبث الرعب والخوف في نفوسهم لتحقيق أهدافها السياسية وعسكرية، وتفرض حصارا خانقا ينجم عنه تجويع السكان وحرمانهم من الدواء وتهجيرهم بشكل قسري من بيوتهم، وتبث الرعب والخوف فإننا إزاء ما اعتبره بعض المفكرين مثل تشومسكي “إرهاب دولة” Terrorisme d’Etat الذي يتجسد في ترهيب شعب أو مجموعة إثنية ما لفرض السيطرة عليه والاستيلاء على أراضيه، فتصبح القوة العسكرية والتجويع والترحيل القسري أدوات لتحقيق ذلك. وما هو أكيد فإن نتائج وانعكاسات” إرهاب الدولة”، بحكم حجم الإمكانيات المادية التي تتيحها وضعيتها القانونية والاعتبارية، أخطر وأفظع بما لا يقاس بالجرائم التي يمكن أن تقترفها المنظمات والجماعات الإرهابية التي يذهب ضحيتها مدنيون عزل.
تأسيسا على كل ذلك يتعين الانتباه إلى كون ما ذهب إليه أحمد الشرعي في مقاله المنشور في موقع “ذي تايم أوف إسرائيل”، أو غيرها من المواقف والآراء التي تشيد بالإرهاب أكان إرهاب جماعة معينة أو إرهاب دولة، لا يمكن عبر أسلوب “تخلاط العرارم” أن ندرجه ظلما وعدوانا ضمن خانة حرية الرأي والتعبير التي لها قواعدها وضوابطها وأخلاقياتها المعروفة.