الشكوى للجبال الخاليا: الشكوى للجبال الخالية. هذه من كلمات النساء، تقولها المرأة عندما تتحدث عن شيء قبيح أو مشؤوم، كأنها تستعيذ بالله من ذلك، وقد تقدم على هذه الكلمة قولها: قياس الخير والسلامة، وكأنها بذلك ترجو دفع الشؤم والضرر عنها، وإرساله إلى الجبال الخالية، حتى لا يتضرر به أحد.
الشكوى على الله وغليك آسيدي فلان: هي كلمة كان بعض الناس وما زالوا يقولونها عندما يشعرون بأنهم مظلومون، أو مهضومو الحقوق، وييأسون من عدل الحاكم وإنصاف الولاة، فيلجأون إلى من يعتقدون أنه ينصفهم ويرفع عنهم الظلم ويرد لهم حقوقهم. وكثيرا ما كنا نسمع في عهد الحماية الإسبانية عبارة: الشكوى على الله وعليك آ مولاي الحسن، وذلك عقب صلاة الجمعة، عندما كان شمال المغرب منفصلا عن جنوبه تحت حماية إسبانيا، وعلى رأسه الخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي، في الوقت الذي كان جنوب المغرب تحت حماية فرنسا، وعلى رأسه السلطان بطل الاستقلال سيدي محمد بن يوسف عليه رضوان الله.
وعلى ذكر هذين الرجلين الشريفين النبيلين – و الشيء بالشيء يذكر، والحياة كلها ذكريات – وفي مثل هذه المناسبات تخلد أسماء أصحاب الحسنات، فتنصب عليهم الرحمات، ولو بعد الممات .. تذكر أن السلطان المرحوم سيدي محمد ابن يوسف كان من عباد الله الصالحين، فقد كان من الناحية العامة كثيرا ما يؤثر مصالح أمنه على مصالحه الخاصة، وإذا كان تحدث المرء عن نفسه قلما يخلو من ثقل أو استثقال، أو من غباوة وإعجاب بالنفس، فإن بعض ذلك قد يغتفر ويتحمل إذا كان للاعتراف بالجميل لأهل الفضل، أو لبيان الحقائق خوف ضياعها.
ومن هذا القبيل، أذكر – شخصيا- أن سلطان المغرب سيدي محمد بن يوسف كان رحمه الله يحترمنا كثيرا، ويستشيرنا في كثير من المواقف والمناسبات، وقد أسند إلينا بعض المهمات الرسمية، وخصوصا في الرحلات التشريفية والمؤتمرات الإسلامية والمجالس الاستشارية واللجان التشريعية، فعليه من الله الرحمة والرضوان .
وكان رحمه الله، كلما سمع من أحد المظلومين قوله: الشكوى على الله وعليك أ سيدي محمد أ حفيد رسول الله، يأمر بإجراء البحث وإنصاف المظلوم.
وأظن أن مثل ذلك هو ما يقع الآن في عهد نجله البار ووارث سره، مولاي الحسن ملك المغرب، الآن حفظه الله ووفقه لما فيه رضاه وصلاح أمته حتى يسجل المؤرخون الصادقون اسمه، كما سجلوا اسم والده في سجل الصالحين المصلحين.
أما الخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي، وهو الرجل العاقل الفاضل النبيل، فقد كان الاحترام متبادلا بيننا، إذ كان يعتبرني أستاذه، وكنت أعتبره من أطيب خلق الله نفسا وأحسنهم معاملة، وعندما كنت في عهده مديرا للمعارف، أي قائما مقام وزير التربية الوطنية، كنت أجد منه كل المساعدات، وما زلت أذكر أنه عندما أدخلت إصلاحات وتنظيمات على الحكومة الخليفية، ومن جملتها ترقية إدارة المعارف إلى وزارة، أصر على أن لا يتولى تلك الوزارة غيري، وكان الجنرال باريلا، المقيم العام الإسباني الذي كانت بيده السلطة العليا بشمال المغرب، قد أصر على أن لا يتولى تلك الوزارة إلا شخص مرن غير محمد داود، الذي لم يكن يسمح برجحان الثقافة الإسبانية على الثقافة العربية الإسلامية.
وبعد، فهذه كلمة أعترف بأن هذا ليس محلها، ولكني أثبتها هنا خوفا من أن يدركني الحمام قبل إثباتها في محلها من كتابي الكبير «تاريخ تطوان»، الذي كتبت فيه حتى الآن عشرة مجلدات، طبعت منها أربعة، في نحو ألفين من الصفحات.
وبهذه المناسبة، أذكر أنني أستحسن هذه الاستطرادات التي قلما تخلو من فائدة تاريخية أو اجتماعية، ولولاها لضاعت شخصيات، ونسيت مبرات .
العنوان: الأمثال العامية في تطوان والبلاد العربية (الجزء الرابع)
للمؤلف: محمد داود
تحقيق: حسناء محمد داود
منشورات باب الحكمة
(بريس تطوان)
يتبع…