خلق الله عز وجل هذا الكون وجعل فيه عددا ما لا يحصى من المخلوقات: سماوات ونجوم وكواكب وشمس وقمر… وخلق الملائكة يعبدونه ويعملون بأمره، وخلق سبحانه وتعالى الأرض وما فيها وما عليها من جبال وبحار وأنهار وأشجار ونباتات ودواب وطيور وحشرات؛ كل هذه الكائنات والمخلوقات تخضع لأمره وتسبح بحمده (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ). ثم خلق الله سبحانه بعد ذلك الإنسان وكرمه ويستخلفه في الأرض فسخر له ما فيها ليعبد ربه على يقين وعلى بصيرة وعلم من رب العالمين.
الأمانة والكرامة
فضل الإنسان تحمل أمانة عبادة الله عن طواعية عبادة ربه عن طواعية، كل من السماوات والأرض يعبد الله الخالق طوعا أوكرها ، وكل مسير لما خلق له، أما بني آدم فاختاروا عبادة الله عن طواعية دون غير من المخلوقات (وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ . أَوۡ تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أَشۡرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةٗ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ ) ، واختاروا تحمل الأمانة التي خافت السماوات والأرض من تحملها (إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا . لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا) . إذن كرم الله بني آدم بحرية العبادة (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) وحذر مقابل ذلك من يكفر به بالعذاب في نار جهنم .
سهل لبني آدم مسؤولية نحمل الأمانة والكرامة فأعطاهم من النعم ما لا يعد ولا يحصى سواء أكان ذلك في خلقهم وطعامهم ولباسهم أو في علمهم وإدراكهم لحقيقة الأمور (الصالح والطالح ) ، وأشهدهم على أنه هو رب العالمين وعلى طاعته وعدم عصيانه في حياتهم الدنيوية واتباع الصراط المستقيم الذي سيأتيهم به رسل من الله ولا يتبعوا طريقا آخر سيزينه لهم الشيطان والمنافقون والكفار وأعداء الله ، (إِمَّا يَاتِيَنَّكُم مِّنِّي هُديٗ فَمَن تَبِعَ هُد۪ايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَۖ وَالذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ اُ۬لنّ۪ارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ) وهذه هي مسؤولية وثمن الأمانة والتكريم أشفقت من تحملها ا السماوات والأرض والجبال رغم قوتها .
أودع الله في البشر خصالا كثيرة تسهل لهم مأموريتهم وهي خصال تميزهم عن غيرهم من المخلوقات: روحا من نفخته سبحانه، ورجلين يمشون بهما سويا منتصبين على الأرض، ويدين يعملون بهما يستعملهما لحاجاتهم والدفاع بهما عن أنفسهم، وعقلا يميزون به الأشياء ويدركونها، ولسانا يتواصلون به مع بعضهم وذكر ربهم، وبصر يرفعونه إلى السماء ويرون به المخلوقات، وأذنين يسمعون بهما … وهي خصال يجب تقديرها وشكرها… ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فالآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنه الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ).
ويسر الله على البشر كيفية عبادته وأرسل إليهم رسل وأنبياء ليدلوهم على صراط ربهم ويتعلموا من رسله كيفية العبادة والتعامل مع الآخرين ومع كل ما على هــــذه الأرض من مخلــــوقات لإعــــمارها ولا يفسدوا فـــــيها ليسعدوا في حياتهم الدنيـــــا ثم الفوز في الآخــــرة برحمة الله (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ).
شاء الله سبحانه العليم الحكيم أن يعطي درسا عمليا لآدم وذريته قبل المجيئ إلى الأرض والرجوع منها إلى ربهم ، فعلم آدم الأسماء كلها ليعلم هو وذريته ما في هذا الكون وما في هذه الأرض ليتحمل مسؤولية الاستخلاف فيها وتحمل أمانة الطاعة (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ..).
وأسجد الله الملائكة لآدم دليلا على أنهم لا يعصون خالقهم وعلى تكريمه لآدم وذريته أما إبليس (كان مع الملائكة ) عصى أمر ربه وتكبر وقال له أنا خير من آدم الذي كرمته علي وتوعد بالعمل على إبعاد البشر عن طاعة ربهم فحذر الله آدم وزوجه من إبليس (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى …) .
نسي آدم وزوجه وهما في الجنة أوامر الله وخدعهما الشيطان الذي زين لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عنها وعندئذ (ونَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ …). ثم ألهم الله الرحمن الرحيم آدم وزوجه الاستغفار عن ذنبهما ( فتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ). (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.).
غفر الله الرحمن الرحيم لآدم وزوجه هذا الذنب، ولكن إبليس لم يستغفر الله وعصا ربه وأصر على أنه خير من آدم . أمر الله الجميع بالهبوط إلى الأرض للعيش فيها وحذرهم من عصيانه وعدم الاستجابة بما سيأتي به رسله وأنبياؤه من عند ربهم (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ). وهكا قضت حكمة الله سبحانه أنه من يطع الله ورسله فيدخلهم الجنة خالدين فيها ومن يكفر بالله ويعصيه يدخلهم نار جهنم خالدين فيها .
تيقن آدم وزوجه أن الشيطان عدو مبين وأن إتباع هوى نفس ووسوسة الشيطان كانا السببان في خروجهما من الجنة. وتحسر آدم وزوجه على عصيان الله، وأخبرا أبناءهما بما جرى لهما وسبب هبوطهما من الجنة إلى الأرض، وأن الرجوع إلى الجنة يكون بطاعة الله وبإتباع ما سيأتي به الرسل والأنبياء من وحي من عند الله.
الوجهة السياحية
أمر الله الجميع ( آدم وزوجه وإبليس ) بالهبوط إلى الأرض للإقامة فيها خلال فترة الحياة الدنيا ، وكانت الأرض هي الوجهة التي سيقيم فيها عباد الله من الإنس والجن . ويسر سبحانه للإنسان أسباب الانتقال والسفر فيها ليلا ونهارا (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا . وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) ، ويسر الله للإنسان السفر في البر والبحر (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) .
وسهل الله الحياة في الدنيا بأن مكن للإنسان في الأرض وما فيها ليعبد ربه ويبتغي فيها من رزق الله (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) . وقدر الله في هذه الأرض أقواتها (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ) ، أي أن كل المخلوقات تكلف الله سبحانه برزقها وما عليها إلا أن تسعى طلبا لرزق الله.
وجعل الله فيها ما لا يحصى من النعم والمعاييش : منها ما يسرها الله مباشرة (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا. ثم شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وزيْتُونًا وَنَخْلا. وَحَدَائِق غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) ومنها ما رشده أرشده أرشد الله سبحانه لعملها (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ . وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ).
وخلق الله عز وجـــل الأنعام والبهائم وأحل للإنسان الانتفاع بها ، وحيوانات طائرة في جو السماء وأباح صيد بعضها ، وخلق في البحار والأنهار أسماك وأباح أكلها ، وجعل من الماء واللبن والعسل والفواكه والخضروات مأكولات وشراب ودواء، وجعل تحت التراب والبحار والأنهار كنوز ومعادن كالذهب واللؤلؤ والمرجان والفضة والحديد الخ. وجعل الله كل ذلك لهذا الإنسان ليقيم حياته وينتفع بها ، وكل ذلك من فضل الله وبعلمه (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).
الابتلاء وثمنه
لا يكفي أن يقول العباد أنهم آمنوا بالله وبما جاء به الرسل من ربهم لنيل رضاء ربهم ويرجعون إلى الجنة بل إن عليهم أن يكونوا صادقين في قولهم وعملهم وبما جاءت به رسالات ربهم من صبر على الفتن كالجهاد والأمراض ونقص في الأموال والثمرات الخ . حتى يتم التحقق من عقيدتهم وقولهم (أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ) .
جعل الله الخالق هذه الأرض حلوة خضرة فيها ما يحبه الناس من ذهب وفضة وأموال ونساء وأنعام وزروع الخ. وهي نعم وفتن ، والأنفس فتن لمن لا يحسن كبح جماحها ، ووسوسة إبليس وأتباعه من الإنس والجن فتن الخ . فما على المؤمن إلا أن يمتثل لأوامر ربه ويتغلب على هذه الفتن بما جاء في وصايا ربهم وإرشادات المرسلين والأنبياء والعلماء والصالحين.ويقص علينا القرآن أنه رغم ما وهب الله البشر من عقل وأفئدة وسمع وبصر ليدركوا حقيقة هذا الكون وما فيه من آيات ، ورغم رسالات الله إليهم التي جاء بها الأنبياء والمرسلون فإن أكثر الناس لم يؤمنوا ولم يمتثلوا إلى دعوات الأنبياء والرسل .
اشتكى رسول الله نوح عليه السلام إلى ربه قائلا ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا. مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا. أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا .وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا. ثمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا . لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا. قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا . وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ) . وهكذا كان دأب أقوام رسل الله هود وصالح وشعيب وغيرهم رغم ما جاؤا به من بيانات من عند االله رب العالمين.
عاش البشر على هذا الحال يتهافتون على الدنيا ويفسد الملأ من الأقوام والمترفون منهم في الأرض ويستضعفون الضعفاء ولا يتبعون ما جاءت به إليهم رسل لله فأخذهم الله بذنوبهم إلا القليل ممن آمنوا . وسارت الأمور على هذا النحو: وظلم وجور وتهافت على مــا في هذه الدنيا من شهوات وتــكذيب للرسل وتحريف للكتب وظلم للمستضعفين فكان عقاب الله (كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) .
وشاء الله الغفور الرحيم أن يتم نعمه على عباده ويظل كلامه ( القرآن) محفوظا بين البشر ولا يتم تحريفه أو إخفاؤه كما فعل بكتبه كالتوراة والإنجيل ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وأن يرسل الله سبحانه وتعالى رسولا إلى الناس كافة رحمة للعالمين (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )، وأن يظهر الله دين الحق على الدين كله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ).
علم الرسول الكريم أتباعه من المسلمين وحدانية الله سبحانه وأسمائه الحسنى فعلموا حقيقة ربهم وأدركوا نعمه عليهم وعقابه الأليم عند عصيانه فامتثلوا لما جاء في كتاب الله وهدي رسوله فانتصروا على هوى أنفسهم وعلى أعدائهم ودخل الناس أفواجا في دين الله من العرب ومن بقاع أخرى بآسيا وإفريقيا وأوروبا وساد المسلمون في هذه البقاع على غيرهم من الأمم .
ومع ابتعاد المسلمين شيئا فشيئا عن دينهم تكاثرت بينهم الخلافات وفي مجتمعاتهم العداوة والشحناء ومختلف الأدواء فتخلفوا وتراجعوا إلى الوراء وتحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ” يوشك أن تداعى عليكم الأمم ، فقال قائل ، ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال بل أنتم كثير ولكنكم كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن ؟ قال حب الدنيا وكراهة الموت “.
حاليا تهافت الكثير من المسلمون على حب الدنيا واتبعوا الشهوات وتسابقوا على تقليد أعدائهم المستعمرين المنتصرين عليهم في سلوكياتهم وابتعدوا عن دين ربهم وضعف إيمانهم فأصبح الآباء يعلمون أبناءهم العلوم المعاشية ( وازدراء العلوم الدينية ) ويعلمونهم لغات المستعمرين على حساب لغة القرآن كلام ربهم خوفا على مستقبلهم المعاشي مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم ” لتتبعن سنن من كان من قبلكم شبرا بشبر ، فذراع بذراع ، وباع بباع ، حتى إذا دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قال يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن غيرهم ؟ “.
إذا قلت لأحدهم في أيامنا هذه علينا الرجوع إلى كلام الله وسنة رسوله للخروج من تخلفنا يقال لك : هل تريد بنا أن نرجع إلى الوراء … انظر إلى الدول المتقدمة … نحن نصلي
ونصوم و … يا أخي ما ذا تريد منا وربما وصفوك بالمتشدد وبالإرهابي .
الحقيقة يجب أن نعلم أن دين الله الإسلام هو تمام نعم الله على بني آدم جاء هذا الدين لينظم حياة المسلمين ويرشدهم في التعامل مع علاقاتهم مع ربهم ومع ذويهم ومع الآخرين، ويسهل عليهم طريق سعادتهم في الدنيا والفوز بالجنة بعد الرجوع إلى الله . لقد بين كتاب الله وسنة رسوله كيفية التعامل مع كل شيء في حياتهم الدنيا مصداقا لقول خاتم النبئين صلى الله عليه وسلم ” تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك” ومصداقا لقول الله عز وجل ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين.