بريس تطوان
وهكذا، تضمنت هذه الاتفاقية كما هو مبين حرية المتاجرة واحترام حقوق التجار الانجليز مع أداء واجباتهم على أكمل وجه وتقديم المدينة المساعدة للسفن الراسية بمياه مينائها وقد توجت مجهوداتها المكثفة التي سخرتها في ربط اتفاقيات علاقات مع الحكام المغاربة وعلى أي فقد بذل حكام المدينة كل ما في وسعهم لضمان علاقات متينة وطيبة مع الانجليز وغيرهم من الدول الأروبية، لذا سعى أحمد النقسيس إلى تأسيس دار للتجار بتطوان وعارضت كل من سبتة وطنجة هذه المبادرة.
ويبدو أن أسرة آل النقسيس ربطت علاقات تجارية مع الدول الأجنبية لتسهيل عمليات التبادل التجاري، وكذا توفير مزيدا من الدعم والمساندة لحماية المدينة في أزماتها السياسية، ونظرا للأهمية الاستراتيجية للمدينة فقد لعب ميناء مرتين دورا مهما في عمليات الاستيراد والتصدير، وخضع التجار إلى قوانين قننت من معاملاتهم التجارية، كما رغبوا في دعم تجارتهم مع بعض الدول كفرنسا وفق اتفاقيات مشروطة، حتى يتمكن كل الأطراف معاينة أي مخالفة.
في الوقت نفسه، ازدادت حركة الجهاد البحري نشاطا وهددت مصالح الدول الأوروبية لكون الجهاد كان جزء من هوية المدينة، وهو الذي أملى تأسيسها في ظرفية زمنية معينة بالرغم من ذلك، فإنه لم يعرقل مسار تجارة المدينة، بل أنه كان مشجعا في أحيان عديدة لمثل هذه المبادرات، فقد كان المجاهدون في حاجة ماسة إلى العتاد والدخيرة لتجهيز السفن التي تزودها بها بعض الدول الأوروبية، في الوقت نفسه كانت نفس الدول بدورها في حاجة إلى المواد الأولية الضرورية لصناعتها الغذائية.
تمثلت السلع التي ارتفع عليها الطلب في سكر الشمندر والذي كان يزرع في مساحات شاسعة يملكها الشرفاء، لكن المغرب كان يصدره بسعر منخفض، إلى الأسواق الانجليزية، فقد ارتفع عليه الطلب الخارجي نظرا لجودته. أما الذهب على ما ذكرته المصادر فإن كميات كبيرة منه كانت ترد على المغرب من السودان جنوب الصحراء خاصة بعد الحملة التي قام بها الملك يعقوب المنصور الذهبي سنة 1589م بقيادة القائد العسكري جودر، وشكل هذا المعدن النفيس محور التقارب الانجليزي المغربي.
أما بالنسبة لملح البارود فقد اشتهر بجودته وارتفاع طلب انجلترا عليه خصوصا أنها في هذه الفترة كانت تستخدمه في حروبها ضد فرنسا. إضافة إلى هذه المواد النفيسة صدر المغرب كميات هائلة من القمح والذرة واللحوم والتمور والفواكه في حيت كان يجلب الأثواب والملابس الفاخرة.
وقدرت الضريبة على الواردات بنحو 10 بالمائة لكن القيمة الجمركية للصادرات تباينت حسب نوعية السلع. بحت السلع الانجليزية باهضة في أثمانها مقابل أثمان السلع المغربية.
خلاصة:
لم تكن انجلترا هي الدولة الوحيدة التي تعاملت تجاريا مع المغرب عموما وتطوان بالأخص، فقد تبودلت مجموعة من المراسلات بينه وبين فرنسا، وحصل تبادل تجاري بين البلدين، فبينما صدرت هذه الأخيرة الورق والأثواب والخيوط المذهبة والقطن وغيرها من المواد الأولية استوردت مقابلها سلعا أخرى حظت بأهمية بالغة لدى تجارها مثل التوابل والجلود والصمغ والصوف وحددت أسعارها العملة الفرنسية حسب العرض والطلب.
شجع الرواج التجاري الصناعة المحلية، واكتسى الانتاج أهمية بالنسبة للجلود والخزف وصناعة الحرائر على الخصوص، واستوردت صناعة الحرير من الشرق الأدنى واسبانيا، لكن معظمه كان يجلب من الأحواز المجاورة للمدينة حيث انتشار تربية دود القز.
واستقبل ميناء مرتين سفنا بحرية محملة بالسلع المتنوعة وعمل على توزيعها، وشكل بذلك نقطة رئيسية في التصدير والاستيراد بين المغرب واروبا، ونظرا لدوره الحيوي سعت بعض الدول إلى التقرب من حكام تطوان وربط علاقات ودية للحد من تهديد العمليات الجهادية لسفنها وضمان حرية التنقل والتجارة لجاليتها.
أثمر هذا التقارب عن عقد اتفاقا بين الانجليز وبعض حكام النقسيس بغية استخدام الميناء لإصلاح سفنهم الحربية إبان صراعهم مع الاسبان في الحوض المتوسطي. وبذلك أصبح كقاعدة عسكرية خلال حصارهم لمدينة قادس الإسبانية. وغدى محط أطماعها حيث عرفت كيف تشغله لمصلحة رعاياها، كما أن مهمة آل النقسيس كمقدمين للجهاد تلاشت مع انفتاح المدينة على التجارة وبذلك اسقطت معها هيبتهم. فما كان موقف أهل تطوان من هذا التغيير الذي طرأ فجأة على مهمة المقدمين من آل النقسيس؟
كتاب: تطوان بين المغرب والأندلس (تشكيل مجتمع مغربي أندلسي في القرنين 16 و 17م)
للمؤلفة: نضار الأندلسي
منشورات جمعية دار النقسيس للثقافة والتراث بتطوان
(بريس تطوان)
يتبع…