الخطأ السياسي لشباب الثورة المصرية - بريس تطوان - أخبار تطوان

الخطأ السياسي لشباب الثورة المصرية

 

الخطأ السياسي لشباب الثورة المصرية

 
بين الخطأ والصواب ِ شعرة ، وبين الإيجابي والسلبي خيط دقيق أو صراط.
(هاني الصلوي)

دعا “ائتلاف شباب الثورة” مفجر الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك يوم الاثنين إلى التصويت ب “لا” على التعديلات الدستورية.
وقال القيادي في هذا الائتلاف شادي الغزالي حرب لوكالة فرانس برس “لقد حددنا موقفنا، اذهب وشارك وصوت ب “لا”، نريد دستورا جديدا وتمديد الفترة الانتقالية مع تشكيل مجلس رئاسي”.
وهذا في اعتقادي خطأ سياسي فادح. والخطأ السياسي في أصله يرجع إلى الخطأ في التفكير السياسي  وفي فهم الواقع السياسي ويؤدي إلى، القيام بأعمال سياسية لا تؤدي إلى تحقيق الغايات السياسية المرجو تحقيقها. وهذا الخطأ يترتب عليه كافة الأخطاء المتعلقة بعلاجه وسبل تنفيذ العلاج عملياً.
 
يقول ” بياجيه “: إن الخطأ شرط التعلم وفي نظريته في النمو المعرفي يقول ” إن الإنسان لا يستجيب للمؤثرات التي يتلقاها ( ردود أفعال ) فحسب وإنما يتلقى المؤثرات ثم يحللها ويفسرها ويؤولها إلى أشكال معرفية جديدة ، ويحولها استنادا للخبرات السابقة  الموجودة في مخزون الذاكرة” .
 
ووجه الخطأ في موقف الائتلاف يأتي من وجوه عدة:
أولها: أن علم الاجتماع يقدر نسبة الناشطين صالحين وطالحين في أي مجتمع بأنها خمسة بالمائة من السكان وهذه النسبة في حالة مصر ذات الثمانين مليونا تترجم عدديا إلى أربعة ملايين ناشط. وهو عدد يمكن ان يهزم بسهولة بالغة في نتائج استفتاء يحق لخمسة وأربعين مصري التصويت فيه. وهزيمة خيار ائتلاف شباب الثورة سيفسره الكثيرون بأنه استفتاء على شعبية الائتلاف وتأثيره على الشارع المصري.
 
وهي نتيجة إذا صحت ستكون مؤسفة وبالغة الخطورة على مستقبل الثورة التي كان الائتلاف محركها الأساسي وربما الوحيد.
 
سيكون على المصريين التصويت السبت القادم ب”نعم” او “لا” على تعديلات لتسع مواد من الدستور (75 و76 و77 و88 و93 و139 و148 و79 و189) وهي تعديلات تزيل القيود المفروضة على الترشح لرئاسة الجمهورية وتمنع بقاء الرئيس في السلطة لأكثر من ولايتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات.
كما تلغي هذه التعديلات المادة 139 التي تتيح لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري وتخول مجلس الشعب الذي يفترض انتخابه بعد التعديلات الدستورية، اي في حزيران/يونيو المقبل اختيار لجنة لوضع دستور جديد للبلاد خلال ستة أشهر من انتخابه.
وإذا ما تمت الموافقة على التعديلات الدستورية فانه يفترض، وفقا للجدول الزمني الذي وضعه المجلس العسكري،إجراء انتخابات تشريعية مطلع حزيران/يونيو المقبل على أن تليها انتخابات رئاسية بعد ثلاثة أشهر.
وقد رفضت الأحزاب السياسية المعارضة جميعها وكذلك الشخصيات السياسية المعارضة ولم يوافق على إجرائها ويطلب التصويت عليها إيجابا إلا الحزب الوطني وحلفاؤه زمن حكم مبارك من جهة والإخوان المسلمون من جهة أخرى وهما مجموعتان تقفان على طرفي نقيض.
الأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة ترى أن هذه الترتيبات ستهمشها خصوصا أن إجراء انتخابات نيابية في غضون شهرين يعني عودة هيمنة رجال الحزب الوطني الذي كان حاكما في عهد مبارك إضافة إلى الإخوان المسلمين على البرلمان الجديد. وقد اعلن حزبا التجمع (يسار) والوفد (ليبرالي) رفضهما للتعديلات الدستورية.
واكد حزب التجمع في بيان اصدره الاثنين ان التعديلات “لم تمس سلطات رئيس الجمهورية المطلقة الواردة في نصوص الدستور وان بقاء هذه النصوص ستجعل من اي رئيس يتم انتخابه حاكما مستبدا ودكتاتورا رغما عنه”.
وفي مقال نشرته صحيفة المصري اليوم الاثنين لخص المحلل السياسي حسن نافعة حجج الرافضين للتعديلات الدستورية المقترحة معتبرا أن هذه التعديلات “كانت ستلقى ترحيبا هائلا لو أنها جاءت قبل ثورة 25 يناير في إطار برنامج إصلاحي، أما أن تأتي بعد ثورة كبرى لإسقاط النظام وليس إصلاحه وبعد أن تمكنت الثورة من إسقاط رأس هذا النظام فمن الطبيعي ان تبدو وكأنها محاولة للعودة بالعجلة إلى الوراء”.
وأضاف أن “التعديلات الدستورية ألزمت مؤسسات الدولة بضرورة وضع دستور جديد إلا انه لن يكون نافذ المفعول إلا بعد انتخابات تشريعية ورئاسية تجرى على أساس الدستور القديم وهنا مكمن الخطر”.
وأشار نافعة إلى أن إقرار التعديلات الدستورية المقترحة يعطي رئيس الجمهورية الذي ستفرزه الانتخابات المقبلة الفرصة “لممارسة تأثير مباشر على اللجنة المكلفة بصياغة الدستور الجديد خصوصا بالنسبة للمواد المتعلقة بصلاحياته ومدة رئاسته”.
وطالب المحلل السياسي المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن “يشرع على الفور في اتخاذ الإجراءات اللازمة لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد”.
 والحال أن الإخوان المسلمون سيستفيدون كثيرا نظرا للأضرار الفادحة التي لحقت بسمعة الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك البائد. ولذلك فان هذه الأحزاب والشخصيات محقة في رفضها للاستفتاء ومطالبتها بدستور جديد وفترة انتقالية أطول تبني خلالها قواعد لها في الشارع نظرا لهزالها الشديد فيه.
 ولا شك أن ائتلاف شباب الثورة اتخذ الموقف نفسه رغبة منه في الحصول على مهلة كافية لتكوين حزب شباب الثورة، فانجر إلى موقفه الذي اعتقد مخلصا انه خطا سياسي فادح. ذلك أن الائتلاف إذا شكل حزبا الآن فسيفوز فوزا كبيرا نظرا لتأثيره على الشباب بالدرجة الأولى، وقدرته على حشدهم، إضافة إلى قدرته على حشد نسبة لا باس بها من غير الشباب شريطة ألا يعرض نفسه للهزيمة السياسية التي هو مقدم عليها بسذاجة تامة.
وقد دعت جماعة الإخوان المسلمين الأحد عبر موقعها على شبكة الانترنت “جموع الإخوان ومحبيهم إلى التصويت بالإيجاب لصالح التعديلات الدستورية المقترحة” التي وصفتها بأنها “البداية لأي تغيير متوقع والطريق إلى تعديل الدستور بشكل كامل”.
وقال القيادي في الجماعة محمد موسي في تصريحات نشرت على نفس الموقع أن “التعديلات الدستورية غير كافية لتلبية مطالب الثورة (التي أطاحت بمبارك) والثوار إلا أن البلاد تمر بمرحلة حرجة تتطلب الخروج من عنق الزجاجة من خلال تلك التعديلات للخروج من الحالة الانتقالية إلى حالة الاستقرار”. وهذا خطاب سياسي ذكي سيجد صدى كبير لدى غالبية الناخبين الذين ينشدون العودة إلى كنف الاستقرار والطمأنينة.
هيهات أن يستجيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمطلب تأجيل الاستفتاء نظرا لرغبته الشديدة في التخلص من مهمته الثقيلة في أسرع وقت ممكن، تماما كما انه من المستحيل أن يقوم الناخبون المصريون بالتصويت سلبا على التعديلات الدستورية.
 
أعتقد أنه كان على ائتلاف شباب الثورة أن يعي الدرس البليغ الذي قدمه المفكر الفرنسي “آلان شاريتيه اميل” عندما فال “إن السلطة التنفيذية ملكية حتى في الجمهوريات وان البرلمان بيد اوليجارشية لأنه دولة بين النخب. أما الديمقراطية فتكمن في تلك السلطة الرابعة التي لم يعرفها علم السياسة، والتي هي السلطة المراقبة، إنها ليست شيئا أخر غير السلطة الفاعلة باستمرار، والقادرة بمثابرتها على تنحية الملوك وإسقاط البيروقراطيين إن لم يؤدوا أعمالهم وفقا لمصلحة الشعب أو الأغلبية.
وبهذا الشرط تصبح الديمقراطية جهدا دائما يقوم به المحكومون عبر التظاهر والإضراب والصحافة والإعلام الحر بمختلف وسائله ضد تجاوزات السلطة.
 
ولا يتحقق التغيير الحقيقي إلا بترسيخ مبدأ منع السلطة السياسية من التدخل في الحريات المدنية التي أساسها حرية الأفراد وحقوقهم المتعددة المنصوص عليها في العهد الدولي لحقوق الإنسان، بذلك فقط توجد الديمقراطية الحقه التي يحميها قضاء لا علاقة للسلطة السياسية به، ولا أمر لها عليه، بذلك فقط لا يعود من المهم ما هو شكل الحكومة، وما هي قناعات من فيها.”
 
 نعم! كان على ائتلاف شباب الثورة أن يرسخ نفسه كسلطة مراقبه وان يبتعد عن الحسابات السياسية الصغيرة.
 
 
احمد صالح الفقيه لبريس تطوان
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.