الــــــــــــوحــــدة - بريس تطوان - أخبار تطوان

الــــــــــــوحــــدة

 

الــــــــــــوحــــدة

لماذا نشعر بالوحدة.. ثم ما هو هذا الشعور الذي ينتاب البعض منا، بأنه يعيش وحيدا، رغم أنه ينتمي إلى أسرة كبيرة العدد، سواء كانت هذه الأسرة في البيت أم في العمل، أم في المجتمع من حوله !

 الأم مثلا، التي تعيش في بيتها وسط زوجها وأطفالها، ورغم هذا تشعر بأنها تعيش في وحدة !!

 والأب الذي يخرج إلى عمله كل يوم ويختلط بزملائه ويلتقي بالناس ويتحدث إليهم، ويمر بناظره أمام تلك الصور المتغيرة من الحياة، وبالرغم من هذا يشعر بأنه يعيش في وحدة !

 يقول الدكتور ألبرت ادوارد ويجام Albert Edward Wiggan، أحد مشاهير علماء النفس أن الوحدة مرض، ليس له أعراض، والمصابون بهذا المرض وحدهم، هم الذين يعرفون أنهم يعانون منه !

 ولا نعني بهذه الوحدة، حياة العزلة التي يختارها الكثيرون، لأن الوحدة تفرض علينا نتيجة لأسباب وعوامل كثيرة تترسب في نفوسنا.. أما العزلة فنعيشها باختيارنا، بل إن كثيرين منا يجدون في حياة العزلة، السعادة التي قضوا عمرهم يبحثون عنها..

 وقد نرى مثل هذه العزلة في العالم الباحث الذي أغلق على نفسه باب مختبره، وراح يواصل ليله بنهاره لكي يفرغ من إتمام بحثه العلمي الجديد.. أو في الأديب الذي أغرق كل تفكيره في القراءة بحثا عن خاتمة لقصته الجديدة التي كتبها للمسرح.. بل قد نجدها أحيانا في تلك الفتاة التي تسير وحدها في الشارع تتأمل واجهات المحال التجارية، أو التي تعيش في بيت الطالبات مع كتبها ومراجعها، وقد أغلقت باب حجرتها في وجه زميلاتها وراحت تعمل في هدوء، مصممة على ألا تدع لأي شيء آخر فرصة تشغلها عن الدرس والتحصيل والنجاح.

 بل قد نراها أيضا في ذلك الرجل أو المرأة العجوز اللذين اختارا الجلوس في وحدة على مقعد في إحدى الحدائق العامة يستعيدان الذكريات ويتأملان الغادين والرائحين بعيدا عن صخب الحياة وضوضائها.

 ليست هذه صور لحياة الوحدة التي نعنيها، وإنما هي صور لأناس، اختاروا العزلة.. فالوحدة هي العزلة المفروضة التي لا تكون باختيارنا نلبسها حين نريد ونخلعها حين نريد.

إن كثيرين منا يعيشون وحدهم بقلوبهم وأفكارهم رغم أنهم يعيشون مع الآخرين سواء في مجتمعهم الصغير، ونعني به البيت والأسرة، أو في المجتمع الكبير من حولهم، بكل ما يزخر به من أوجه النشاط والعمل والحركة.. فنراهم يسهمون فيه ولكن بأجسامهم فقط بينما عقولهم وأفكارهم تحلق في آفاق بعيدة، وكأنها تنتمي إلى عالم آخر غير العالم الذي نعيش فيه.

 كتبت المليونيرة الأمريكية بارباره هاتون Barbara Woolworth Hutton (14 نوفمبر1912- 11 ماي 1979) والتي كانت تملك قصرا في بعض مدن العالم ومن بينهم واحدا بمدينة طنجة تقول :

 “إنني أعيش في وحدة قاتلة رغم تلك الملايين العديدة التي أمتلكها، ورغم أنني أسكن قصرا منيفا يزدحم بالخدم والحشم الذين يتسابقون إلى خدمتي، ويسارعون إلى تلبية رغباتي.. ولطالما حاولت أن أملأ الفراغ الذي يحتويني، فتزوجت خمس مرات، ولكنني كنت بعد كل مرة أتزوج فيها، أنفصل عن زوجي بالطلاق.. فلم أجد بين هؤلاء الأزواج الخمسة رجلا واحدا استطاع أن يخلصني من الشعور بالوحدة، أو أن يملأ الفراغ الذي أعيش فيه !”.

  وكل هذا القول صدر منها حينما لم تكن قد اقترنت إلا خمس مرات، مع العلم أنها تزوجت سبع مرات وأزواجها حسب الترتيب هم:

 

فالمال إذن لا يكسبنا المناعة ضد الشعور بالوحدة، بل على النقيض من ذلك تماما، فقد يكون المال في أحيان كثيرة نقمة لا نعمة، وقد يكون من الأسباب المباشرة التي تجعلنا نعيش في وحدة !

 

والله الموفق

26/03/2013

محمد الشودري


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.