الأصــــالـــة والتـــغـــريـــب - بريس تطوان - أخبار تطوان

الأصــــالـــة والتـــغـــريـــب

الأصــــالـــة والتـــغـــريـــب

سألت صديقا من الخليج العربي ذات يوم: ما آخر قراءاتك الأدبية باللغة الأجنبية التي تعرفها؟ قال : لا أقرأ أدبا أجنبيا لأنه  يعبر عن تصور أصحابه للكون والحياة، وهو تصور مرتبط الجذور بالنظرة المادية، ويعبر عن التركيبة النفسية والاجتماعية لأصحابه، وهو يحمل طريقة ممارستهم للحياة. إنه يعكس الثقافة الغربية بكل قيمها ومقاييسها.

سألت صديقي وأين وجه الخطورة ما دام القارئ محصنا بعقيدته، ومستعليا بإيمانه  وفكره الإسلامي، بحيث يؤثر ولا يتأثر في هذه الحالة ؟!

قال : الخطورة في أن نقرأ هذا الأدب الأجنبي، فتعجبنا فكرة من هنا، ويستقر فينا رأي من هناك، ثم تستهوينا القراءة وتجرنا إلى المثابرة عليها رويدا رويدا، فإذا بنا نستفيق ذات يوم على شخصيتنا وقد تأثرت صياغتها، وأخذت تتحلل من أصالتها متجهة نحو التغريب. ومن هنا فإني– خوفا على نفسي- قطعت صلتي بهذا الأدب من بداية الطريق، وألزمتها المثابرة على أدبنا الأصيل وفكرنا وثقافتنا.

قلت: ولكننا يجب أن نعيش عصرنا، ونعرف ما ينتجه غيرنا، فإما أن يكون هذا الإنتاج زيفا وباطلا، فيتعرى أصحابه في نظرنا ونزداد بعدا عنه واقترابا من أصالتنا، على بينة من الأمر، وإما أن يكون فيه حكمة نلتقطها ونحن أولى بها. قال: أصبحت لا أؤمن بهذا كله، فكلما ازدادت معرفتي بالإسلام، تذكرت طبيعة هذا الغرب الحاقد، وأدركت بعمق طبيعة الصراع بيننا وبينهم، وأيقنت أن الغرب غرب، والإسلام إسلام، وأنه- واسمح لي- لا حكمة نرجوها عندهم، ولا يمكن أن نسميها حكمة في مقاييسنا، بل إن الأمر عكس ذلك من حيث خطورة التأثير التدريجي، سواء أردنا ذلك أم لم نرد، فأساليبهم متنوعة، وأفكارهم تستهويها نفوسنا الأمارة، ولا ندري متى وكيف تتسرب إليها فتنقلب علينا. وأردف صديقي على الفور :

مرة، جاءتني ابنتي بكتاب الأدب الإنجليزي المقرر في مدرستها، وطلبت مني أن أشرح لها الأفكار الرئيسية في قصيدة لشاعر إنجليزي يدعى “روبرت هريك”(1591- 1674)، تحت عنوان (نصائح للفتيات).

وهالني ما رأيت في الأفكار الرئيسية المكتوبة بعد القصيدة في الكتاب. وهالني أكثر أن ابنتي تطلب مني المساعدة والتوضيح لهذه الأفكار، فهي مسؤولة عن ذلك في امتحانها، وتريد لذلك أن تفهم الدرس وتهضم أفكاره، وأنا المسلم أريد لابنتي وأربيها على الأفكار الإسلامية، وهنا أمامي في الأدب الإنجليزي أفكار على النقيض تماما، ومطلوب مني الآن أن أشرحها لتهضمها ابنتي بعد فهمها وتنجح في الامتحان : “إن “هريك” يقدم نصائح قيمة للفتيات !!! إنه يدعوهن للتمتع بربيع حياتهن : الشباب !! شباب الفتاة كالزهرة الندية ما يلبث أن يذوي ويموت بعد فترة قصيرة من الحياة. ويحذر الشاعر الفتاة، لذلك، أن تسيء تصريف حياتها في هذا الربيع الوردي. إنه يحذر جميع الفتيات من أن العمر لا يعاش مرتين، وبالتالي فإنه يحثهن على نزع الحياء !!! وأن يندفعن قدما في الاستفادة من الوقت كي يحصلن على أزواج. لأنه في غالب الأحيان، إذا لم تتزوج الفتاة في شبابها، ذلك العمر الذهبي، وانقضى ذاك الشباب، فلن تتزوج أبدا (!!)”.

قال صديقي: وكان مطلوبا من ابنتي أن تعقد مقارنة بين أفكار هذا الشاعر، وأفكار شاعر آخر، يركز في قصيدته المشروحة، على منهجه في الحياة تجاه المرأة، وهو قائم على التمتع بجسدها.

قال صديقي: وحين قرأت أفكار الشاعرين لنفسي أولا، استعذت بالله، وضاق صدري. فنتيجة المقارنة التي سوف تمشي وحدها إلى الفكر والنفس واضحة دون شرح. أن الأول يدفع الفتاة إلى أن تنزع عنها حياءها وتخرج من ثوب فضيلتها، ثم تهرع تبحث عن متعتها، فإذا الثاني ينتظرها على الباب ليتمتع بجسدها.. وهو بعد ذلك أدب! وأنت لا تفعل بالشرح هنا سوى أنك تشرح أدبا، وتساعد ابنتك على فهم الأفكار الأدبية !!! وهضمها، كي تكون حافظة لهذا الأدب الإنجليزي وهاضمة له فتنجح في الامتحان. معاذ الله… إنه ربي أكرم مثواي.

وأطرق صاحبي، ثم رفع رأسه وعيناه مغرورقتان، وقال: أي بلاء نحن فيه معشر المسلمين ! لماذا يفرض علينا أن ندرس أدبا غربيا ؟ ألا يكفي أننا نتلطخ بشعر بعض الشعراء العرب، وكل المتهتكين، ممن سموهم افتراء أدباء عربا ؟!!! كان أعداء وجودنا وأصالتنا، خافوا أن لا يكفي التهتك العربي في القضاء على معاني الفضيلة فينا، فسلطوا علينا تهتك الغرب، ليضمنوا جرنا إلى مستنقع رذيلتهم؟!!!

والحديث كان طويلا وكتابته لا تتسع في مقال واحد.

والله الموفق

16/05/2011

محمد الشودري
 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.