السلطة الرابعة - بريس تطوان - أخبار تطوان

السلطة الرابعة

السلطة الرابعة
 
لا أدري إذا كنا نكرم الصحافة إذا أطلقنا عليها تسمية السلطة الرابعة, ذلك لأن مفهوم السلطة في أذهان بعضهم لا يوحي بالطهارة, ربما لأن بعض السلطات ساهمت وتساهم في تكريس صورة سلبية.‏ سلطة الصحافة تختلف, لأنها معنوية, ويحسن أن نطلق عليها سلطاناً كما نقول سلطان الفن أو الطرب, فهي ذات سلطان على العقول لا على غيرها من هنا يمكن أن نقول سلطان الصحافة لا سلطة الصحافة ومن جهة أخرى فلأن الصحافة عندنا افتقدت الكثير من المصداقية, أفقدتها إياها السلطات الأخرى.‏ في بلدان العالم عندما تثار قضية في الصحافة يهتز لها المجتمع والدولة, وتجد اهتماماً شديداً بها, بحيث تكون الصحافة مصدر هيبة وفزع من قبل المجتمع والسلطات الأخرى, ويتم السعي للتعاطي مع القضايا التي تثيرها كي لا يتألب الرأي العام ضد السلطة التنفيذية ويسقطها في الانتخابات.‏ أما في اغلب البلدان النامية فعندما يبلغ الاحتقان والغضب ذروتهما , تبرهن السلطات عن ذكاء حاد, وكالعادة ذكاؤها في كثير من الأحيان سلبي الاتجاه, أي لانجدها تستخدم هذا الذكاء في تجنب السلبيات والمشاكل أو في إيجاد المخارج السليمة لما يقع منها, بل في التخلص من المسؤوليات والالتفاف على القوانين والأنظمة. من هنا تجلى ذكاء السلطات في إفساح المجال للناقمين والناقدين والمتضايقين…الخ أن ينتقدوا كما يشاؤون أحياناً, وهذا نجده في الدراما التلفزيونية أو في الصحف أو غيرها من قنوات الكلام. لكن ليبقى كلاماً.‏ بهذه الطريقة أفسحت السلطات التنفيذية تلك الشحنات من الغبن والعتب, حين أفسحت المجال لبعض الكلام حول ما كان معتبراً من المحرمات, وبدل أن يجد الكلام صداه لدى المسؤولين فيسعون إلى البحث والتدقيق فيما يقال عنهم وعن تهاونهم في أداء مسؤولياتهم, فيتداركون الأخطاء, ويتجنبون الوقوع فيها ثانية, تركوا حبل النقد على غاربه في بعض المجالات حتى أصبح غير ذي مضمون, وحتى أصبح المواطن يقرأ النقد الذي تطير له الرؤوس والكراسي, وهو يعرف أن لا شيء سيتغير, لقد أصبح هذا النق الكثيف والشديد عادياً في الصحافة وأصبح السكوت عنه عادياً من قبل المعنيين.‏ والنقد الذي يجري الرد عليه في الصحافة, كثيراً ما يلجأ الرد إلى التكذيب أو إلى استخدام عبارات وكليشهات عامة. والغريب أن الصحافة في أغلب الأحيان تكتفي بذاك وتسكت فلا تتابع الموضوعات ولا تُقرع الحجة بالحجة, وهي تعلم زيف الردود.‏ هكذا تقول السلطات للناس بموقفها هذا, قولوا ما تشاؤون, انقدوا, لا تسكتوا.‏ أعتقد أن الشتائم لن تكفينا ولن تعصمنا, كما لم تكف ذاك الأعرابي.. وهنا تقع الصحافة بين نارين نار السكوت على تأدية رسالتها, ونار الاستهتار بما تكتب. وتبقى الرسالة على عاتقها وعاتق الغيورين فيها والذين يشعرون أن هناك من يسخر منهم ومنها, وانها تستخدم لإلهاء المواطنين وتفريغ شحنات الغضب والقهر عندهم, فالمواطن يرتاح إذا وجد من يعبر عن همومه ومعاناته, متخيلاً أن الخطوة التالية للكتابة هي تصحيح الأخطاء, حتماً بعد هذا النقد الذي يكاد يصل إلى شتم الآباء..يجب ألا تعدم الصحافة الوسائل ليبقى صوتها قوياً, ولكي تكون سلطة أو سلطاناً, سواء كانت سلطتها رابعة أو خامسة لا فرق, كي تعيد الاعتبار لمكانتها التي يجب ألا يساوم عليها.‏ أيها السادة, لا تتركوا النقد يتحول إلى النق, فالخسارة على الجميع.‏

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.