لنتحدث ..عن الرشــــــوة - بريس تطوان - أخبار تطوان

لنتحدث ..عن الرشــــــوة

لنتحدث ..عن

الرشــــــوة

حملة واسعة شهدتها البلاد ، في الأيام الأخيرة، تنبه الى خطورة ظاهرة الرشوة وتدعو الى اجتنابها،وذلك باشراف وتوجيه وتمويل من الحكومة وباستعمال كل الوسائل الاعلامية المتاحة من ملصقات ولوحات اشهارية وراديو وتلفزيون وملصقات ومطبوعات تستقبلك بمدخل وردهات الادارات العمومية والمؤسسات العامة،،

 هذه الحملة شكلت حدثا سيسجله التاريخ، لأننا ولأول مرة نتحدث عن شئ مسكوت عنه، بل من المحضورات التي لم يكن من الممكن سابقا التنبيه الى مخاطرها، بل حتى الحديث عنها همسا ، وبالأحرى على رؤوس الملأ كما يحصل الآن..

 فيما أذكر، أن أحد الأصدقاء استنجد به صهر له منع من تسجيل مولودة جديدة له، اختار لها من الأسماء “رشا”،وبعد أن استعمل هذا الصديق كل علاقاته في عملية وساطة واقناع امتدت من المقاطعة (الملحقة الادارية) وانتهت الى أعلى سلطة في الاقليم في المجال: المفتشية الاقليمية للحالة المدنية، أخبره المسؤول أنه من غير الممكن قبول التسمية، لأن الاسم غير معروف ولا يوجد ضمن اللوائح التي وضعتها الداخلية ساعتئذ لتحديد الأسماء المقبولة من غيرها،ثم وفوق هذا وذاك – يضيف هذا المسؤول- فهذا الاسم له علاقة بالرشوة ومن المحرج جدا اثارة الموضوع وبالأحرى اعتماد اسم يشبهه أو يوحي اليه ..! (بالمناسبة اسم “رشا “، يطلق في العربية على نوع نادر من الغزال، يعرف بالغزال الأبيض،أما الصبية رشا فهي اليوم بقسم السنة أولى باكالوريا بثانوية الشريف الادريسي !!).

هكذا كانت الأمور في ظل السياسة العامة والاعلامية على وجه الخصوص التي كانت سائدة وكان شعارها” العام زين..” ،وكان ديدنها الهاجس الأمني المبالغ فيه، لذلك فان ما يحدث الآن من تسمية للأشياء بأسماءها، يعتبر ولا شك تقدما نوعيا ملموسا..

والحكومة التي تقود هذه الحملة اليوم،في ظل وجود “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” ،وهي مؤسسة دستورية نص على انشاءها دستور المملكة الجديد (1 .7 .2011 ) في الفصلين 36 و 176 ، لاشك أنها تسعى بذلك الى تنزيل مقتضيات الدستور وتنفيذ جزء من التزاماتها الواردة في برنامجها الحكومي والذي يقوم في جانب أساسي منه على محاربة الفساد المستشري بكل تمظهراته وفي مقدمته الارشاء والارتشاء.

 والحكومة ومن يرتبط بها من أولي الحل والعقد، استشعروا ولا شك الخطورة القصوى والمقلقة التي وصلتها هذه الآفة، بحيث أصبحت تهدد وبشكل جدي الحرث والضرع والنسل، كما أصبحت تعطي انطباعا غير مشرف ولا مريح عن الادارة المغربية لدى الأجانب ، وخصوصا المتعاملين منهم مع الدولة المغربية، وهو مالا يساعد على جلب الاستثمار وانعاش الدورة الاقتصادية وتنمية سوق الشغل، ناهيك عن فقدان السمعة الطيبة والصيت الحسن والانعكاسات السلبية السيئة لذلك.

غير أن الملاحظ على استراتيجيات وبرامج محاربة هذه الظاهرة وتخليق الحياة العامة ، أنها تركز أساسا على المرتشي ومسؤوليته في افساد الحياة العامة وتغفل أو تتناسى الدور الرئيسي للراشي الذي لولاه، ولولا ما يدفعه من مال لقضاء مآربه لما كانت عملية الرشوة بهذا القدر من الاستفحال، فلنتصور لو أن كل مواطن وكل مواطنة تمسكوا بحقوقهم واستماتوا من أجل الحصول علىها بشكل منظم وقانوني، ليئس الشيطان بأن يعبد في أرضهم ، ولاقتنع جل الموظفين المسؤولين من ذوي الاستعداد للارتشاء ولانضبطوا للقيام بمهامهم، لكننا ويا للأسف نجد بعض المواطنين يلحون في اعطاء ” القهيوة” أو “البوربوار”، حتى ولو رفض الموظف المعني، بل هناك من يتهم الموظف الرافض للرشوة بعدم قبول الهدية، أو أنه يستصغره أو يستضعفه، أويعتبر أن ما يمنحه، لا يليق بمقامه ولا يرقى اليه ،، مما يطرح اشكالا ثقافيا وأخلاقيا حقيقيا ..

 ان هذه الحملة ينبغي أن لا تكون موسمية ولا ضرفية ولا ذات طابع احتفالي بل ينبغي لها أن تكون مستمرة وعلى مراحل مدروسة ،لا يتم الانتقال الى مرحلة موالية الا بعد تقييم المرحلة السابقة ، وان تشمل كل المعنيين بدون استثناء، وحبذا لو استعملت فيها الفصحى التي تجمعنا، لأن استعمال الدارجة لا يفيد في شئ، بل ان بعض المواطنين يقرأون بالفصحى ما لايقرؤونه بالدارجة التي تختلف معانيها ويختلف نطقها من منطقة الى أخرى ،، فالكل يقرأ ويعرف معنى حذار ، لكن لسنا كلنا نفهم أو ننطق “ويـاك”، على الأقل في هذه الجهة التي يقول الناس فيها “عنداك”، للدلالة على نفس المعنى، تماما، كما هو الشأن بالنسبة للتلقيح و “الجلبة” !

             م.ز. الحسيني

       11 / 1 / 2013


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.